Lughz Cishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genres
شكل 9-7: العذراء الكونية وابنها - نقش معدني، كريت 1500ق.م.
شكل 9-8: الرعاة يقدسون المسيح ليلة الميلاد، إيطاليا 600 بعد الميلاد.
يبدو الإله الابن في ثقافة كريت وبحر إيجة، أكثر أقرانه قربا للإله الابن في المستوطنات النيوليتية. ويرجع ذلك، كما أشرنا مرارا، إلى احتفاظ الثقافة الكريتية بطابعها الأمومي القديم، وإلى انهيارها المفاجئ على يد الفاتحين القادمين من البر اليوناني، قبل اكتمال الانقلاب الديني الذكري فيها. فمنذ بداية هذه الثقافة وحتى تدميرها لم تعبد سوى الأم الكبرى وابنها، الذي يبدو في الأعمال التشكيلية، أحيانا كطفل صغير، وأحيانا أخرى كشاب يافع.
9
وكما هو الأمر على البر الأسيوي المقابل، فإن الثور كان منذ البدء رمزا لهذا الإله الابن، ولعب دورا كبيرا في الديانة الكريتية وطقوسها، التي لا نعرف عنها الكثير بسبب وصولها إلينا محورة من خلال الأساطير الإغريقية.
10
ولعل في أسطورة الميناتور الكريتي ساكن قصر التيه، التي ليست إلا ذكرى باهتة لطقوس عبادة الثور في كريت، مثالا على هذا التحوير . على أن الأمر الأكيد حول ديانة كريت، هو استمرار الإله الذكر ابنا للأم الكبرى الواحدة لتلك الديانة، وعدم تحويله إلى شخصية إلهية مستقلة تبتدئ معها التقاليد الدينية الذكرية بالترسخ، كما حدث في الثقافات الأخرى، التي أتاح لها الوقت تحقيق انقلاباتها الكاملة. وإذا كان لهذا الإله الكريتي أن يحقق استقلاله الذكري وبناء شخصيته البطريركية، فإن ذلك سوف يحدث على البر اليوناني الذي ارتحل إليه جموع الفاتحين من أشباه البرابرة، الذين عادوا به إلى موطنهم عقب تدمير الحضارة الكريتية العظيمة، أواسط الألف الثاني ق.م.
إن دراسة متأنية لأساطير الأصول الإغريقية، من شأنها أن تكشف لنا عن كيفية نشوء آلهة الأوليمب الذكور، عن الإله الابن للمجتمع الأمومي السابق. ففي البدء،
11
ظهرت الإلهة الأم، الأرض جايا، من العماء الأول، وأنجبت ابنها الأول أورانوس الذي جعلته ندا لها، فكان السماء التي تغطيها من كل جوانبها. ثم إن جايا اقترنت بابنها وأنجبت الجيل الأول من الآلهة. ولكن أورانوس كان يخشى تزايد قوة أولاده في المستقبل وتهديدهم لسلطته، فكان كلما ولد له ابن سجنه في أعماق الأرض، دون أن تجدي معه توسلات جايا ودموعها من أجل أولادها. وبمرور الوقت وتزايد عدد الأولاد المسجونين، قررت وضع حد لطغيان أورانوس، فرسمت خطة بالتعاون مع ابنها الجريء «كرونوس» للتمرد على الأب. زودت جايا ابنها بمنجل حاد من صنعها وجعلته يكمن قرب مخدعها، وعندما جاء أورانوس ساحبا وراءه ستار الليل لينام في مخدع زوجته، قام إليه ابنه فخصاه بالمنجل ورمى بأعضائه التناسلية إلى البحر، ورفع نفسه سيدا للكون. ولكن الحكاية ذاتها تتكرر في الجيل التالي من الآلهة. فكرونوس يتزوج من الإلهة «رحيا» (وهي شكل آخر من أشكال الأرض جايا) وتأخذ زوجته بالإنجاب. ولكنه كان يبتلع أولاده حال ولادتهم مدفوعا بنفس الخوف الذي لاحق والده من قبله. ويستمر الحال على ذلك ، إلى أن تلد رحيا ابنها الأخير «زيوس» فتهرب به إلى كريت حيث تخبئه هناك، بعد أن تدفع إلى زوجها بحجر ملفوف في قماط فيبتلعه على أنه الوليد الجديد. وعندما يكبر زيوس، يرجع إلى أبيه فيجره عن عرش السماوات دافعا به إلى ما وراء المحيطات ويعتلي عرشه.
Unknown page