فرتك مرتك شرتك دي دي دي دان ...
الألم لا بد قد ازداد بدرجة مخيفة، خفف عنه يا رب.
واج الواج الواج الواج الواج ...
وإلى جوار هذه القادمة من المطبخ، جاءت أخرى رفيعة طفلية من الحجرة المجاورة. ما كادت تسمعها عفت حتى، بقوة عاتية خارقة، خلصت نفسها من تكتيفته وجرت خارجة إلى الغرفة الأخرى. ولكن الطفل، طفلها الوحيد قابلها قادما باكيا مناديا: يا مامي. واحتضنته وحملته وبتنمر وتوهج قالت للزوج: اسمع .. انت لازم تطرده حالا دلوقتي يروح يشوف له مصيبة يبات فيها .. دا الولد قايم يرجف .. يا مصيبتي! - يا عفت أرجوكي .. أنا شرحت لك الظروف، الراجل ده عندي مهم قوي وما اقدرش أطرده. - مهم أكثر مني ومن فهمي ده؟! - مش أكتر، إنما مهم، كفاية تعرفي إني مسمي فهمي ابننا ده على اسمه .. ده الوحيد اللي خرجت به من طفولتي. - يا ح تطرده يا ح اسيب لك البيت وأنزل! - إنتي عايزة مني إيه؟ أركع لك؟ قلت لك أرجوكي .. أنا ح اجيب له دكتور يديله مخدر دلوقتي ويسكته.
وانشغل بكليته في عملية استدعاء طبيب الإسعاف وانتظاره، ولم يدهش حين أخبره الطبيب أن المخدر في حالة كتلك ضعيف المفعول لا ينجح عادة في تسكين الألم؛ فآلام هذا النوع من السرطان أقوى من المخدرات وكل المسكنات التي اخترعها الإنسان.
وكانت الفائدة الأهم للطبيب أنه أعطى الزوجة حقنة من عقار منوم، وبعد مدة قليلة نام فهمي الطفل في حضن أمه.
وأخيرا أصبح وحده مع الصرخات القادمة من الأعماق. وكما قال الطبيب لم يكن المخدر قد أحدث تأثيرا يذكر. المشكلة الآن أن يعاد الاتصال .. أن يعود إلى نفس الحالة الوجدانية التي كان عليها قبل أن يصحو الولد وتثور الزوجة. إنه لا يعرفها ويذكرها وهي قريبة دانية منها ولكنها ترف وتذهب، يتذبذب بينها وبين حالته العادية، يه يه يه يه يه فمندا مندا مندا هوندا بندا سارادات.
وأحس براحة باهتة وبالأصوات تصل إلى مكان سحيق داخلي فيه وتنعشه في رقة وعذوبة، بالضبط هذا هو المكان. هنا يحس بها تتجمع .. آهاته التي لم يطلقها أي باي يانا يا بوي.
يا بوي موجوعة تأتي للحديدي بالضبط على الوجع. يا بوي إنها ليست من لغة الحياة ولكنها من لغة الأعماق والآي. إنه يحس بها تعبر عن وجعه هو. منذ سنوات وسنوات وهو يريد أن يقف في ميدان التحرير ويستجمع شجاعته. وبكل قوة وبالحر ما يستطيع يطلقها، عالية موجوعة صادرة رأسا من الوجع مثلما يفعل فهمي الآن، ولكنه في اللحظة الأخيرة يعدل ويضعف ويخاف أن يفر منه الناس ويتهموه بالجنون فيخمدها ويكبتها ويردها إلى حيث ترقد الكثيرات من زميلاتها المكبوتات المحبوسات.
آي آي آي فركش أن منكش أي بعقش أي!
Unknown page