وكان عليه لكي يكشف السر، إن كان هناك سر، أن يجرب .. وبهرته الفكرة، وأحس لها بحماس شديد. •••
كان يوم 10 مايو قد اقترب، وعام جديد قد أضيف إلى عمر زواجه، فلماذا لا يفعلها ويجرب؟
أجل، فليجربها في عشرة جنيهات. ولكن تفكيره ما إن حوم حول الرقم حتى هبط حماسه في التو. عشرة جنيهات؟! إنها تكاد تبلغ ثلث مرتبه أو نصفه. إذا كان لا بد من التجربة فليجربها في جنيه مثلا. ولكن، أيصح أن يهدي زوجته جنيها واحدا في عيد زواجها. المسألة حتى من الناحية الشكلية محرجة، ولكنه إذا نظر إليها من الناحية الأخرى، فإنه لا يمكنه أن يهديها عشرة جنيهات مرة واحدة. فهو لا يهدي زوجته، إنه يهدي غريمه، فلتكن خمسة إذن. تكفي خمسة .. إنها كافية جدا.
وهكذا جاء يوم 10 مايو، وجاءت الساعة الثامنة منه، وصلاح عائد إلى البيت وفي جيبه الورقة والإهداء على دائرتها البيضاء حبره لم يجف بعد، وكل ما يحسه هو الفرحة لأنه مقبل، في حياة قاتلة الملل، على تجربة جديدة، وحب استطلاعه يكاد يطل من عينيه إذ ترى ماذا ستفعل روحية؟ وهل يغمى عليها.
وكالعادة فتح الباب، وواجه سوق روض الفرج المعتاد، وبعد أن تم الغذاء والحساب والعتاب، ناداها على حدة في غرفة النوم، ومع هذا أصر ابنه المتوسط على عدم مغادرة الحجرة، وأمسك بروب أمه واستمات عليها. وظل صلاح يتعثر نصف ساعة في كلمات لا معنى لها، ثم أخرج الورقة ذات الخمسة جنيهات، ووضع الدائرة البيضاء أمام عينيها لترى الإهداء.
وبدت الصدمة واضحة على ملامحها، وظلت واقفة في مكانها لا تتحرك، كان لسانها أول ما تحرك فيها، وأول ما فعله اللسان أن فتح له محضرا طويلا عريضا. وراحت تسأله وتضيق عليه الخناق لتعرف من أين جاء بالخمسة جنيهات وميزانيته كلها تعرفها بالمليم والصلدي. وقال لها إنه استلفها لتخصم على شهرين من مرتبه. ومعنى هذا أن ينقص إيرادهم في الشهرين القادمين. وهكذا شبت النار، وبعد لحظات قصار أصبح الحديث اتهامات متبادلة، وشتائم وتهديدات، وأيمانات مغلظة، خرج على إثرها صلاح من الحجرة غاضبا لاعنا تاركا الجنيهات الخمسة تنعي من أهداها.
وجلس في الصالة يغلي وينفخ .. لا فائدة على الإطلاق. إنها حرب لا هوادة فيها. إنه عسكري في جيش وليس زوجا في بيت، إنه لا عمل له إلا الدفاع عن نفسه، والحرب أدابته وهدته، وأتت عليه. حتى العسكري يحظى بهدنة وراحة، أما هو فمعركته لا تتوقف.
وبينما هو يغلي وينفخ، كان عقله يعمل ويحلم، أجل، لا بد أن هناك حياة غير تلك، حياة رحبة، لا قتال فيها ولا خناق ولا ملل، حياة مليئة بالبريق وبالرائع الجديد، ولا ينقصها سوى الجريء الذي ينهي حياته وجبنه وينطلق إليها.
وبوغت حقا حين رأى روحية قد خرجت من حجرة النوم ووقفت قبالته على بابها لا تتحرك، والورقة في يدها. ورمقها وهو يلعنها. لا بد أنها الآن اطمأنت أن الجنيهات الخمسة لم تضع، وأنها على أية حال باقية في البيت. ولكيلا يلعنها، فقد أصبح يضايقه حتى أن يلعنها، حول وجهه عنها.
غير أنها سألته وهي واقفة من بعيد إن كان جادا حقا في كلامه وإهدائه. وطبعا زفر ولم يجب. ولكنها ظلت تلاحقه بالسؤال، ولأنه يعرف أنها إن صممت على شيء فلا بد أن تعرفه، ولو فرقعت مرارته وحطمت رأسه، فلكي يخلص منها قال لها: أيوه يا ستي هدية بحق وحقيق .. بمناسبة عيد الزفت الزواج.
Unknown page