وفي شعر الجاهلية - مثلا - نموذج لشخصية الشاب طرفة بن العبد، وشخصية الكهل حاتم بن عبد الله، وشخصية زهير بن أبي سلمى، وكل منهم موصوف في شعره على حقيقته، ويزيد على ذلك أنه واصف صادق للقيم الأخلاقية كما تواضع عليها المجتمع في عصره، وكما يتمنى أن تسود بين الناس كافة.
لم يعمر طرفة طويلا ولم يجاوز السادسة والعشرين إذا أخذنا بقول أخته في رثائه، ونشأ في بيت من بيوت النسب العريق، ولكنه نشأ يتيما فقد أباه وهو طفل صغير، فلم ينل من أعمامه كل حقه وابتلي بالظلم والرياء بين أهله الأقربين وعشيرته، فركب رأسه واستقل برأيه، وذهب يغامر في الحياة ولا يبالي الموت؛ إذ عاش عيشة النعيم ومات ميتة الكريم.
ألا أيهذا اللائمي أشهد الوغى
وأن أحضر اللذات، هل أنت مخلدي؟
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
وإذا خوفوه بالعمر القصير قال: «ما أقرب اليوم من غد ...» أو قال: إن العمر طال أو قصر «كالحبل الذي يربط به البعير، وطرفه الآخر في يد القدر لا يدري متى يجذبه منه.»
وعلى كثرة الاهتمام بالأخبار في الصحراء - لأن الأخبار ترتبط بالحياة والموت والأمن والفزع - لم يكن طرفة يبالي أن يسأل عن خبر مغيب عنه، وكان يقول لمن يشغلون أنفسهم بالسؤال والاستطلاع:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
Unknown page