CHECK [اللب المصون شرح الجوهر]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أفضل ما تحلت به جياد المعاني والبيان وتباهت ببديع أنسه قلوب أهل العرفان، الثناء على الله المختص على الحقيقة بالكمال المنزه في ذاته وصفاته عن شائبة المثال، والصلاة والسلام على أفصح الأنام، محمد الذي بلغ المسند إليه غاية المرام، وعلى آله وأصحابه الطيبين الباذلين نفوسهم في تشييد قواعد الدين،(وبعد) فيقول العبد الفقير الحقير، الراجي من مولاه الخروج من سجن التقصير، أحمد الدمنهوري متعه الله بحصول آماله، ومن عليه بكمال التوفيق في أقواله وأفعاله: هذا بيان للرسالة الموسومة (( بالجوهر المكنون)) في علم البيان للعارف بالله تعالى سيدي عبد الرحمن الأخضري رحمه الله تعالى ونفعنا به، قد التمسه مني العلامة النبيل، والنحرير الدراكة الجليل، سيدي عبد الرحمن السوسي، أفاض الله علينا وعليه من بحر النوال، ورزقنا وإياه النسج على أحسن منوال، طالبا مني السهولة في البيان، لينتفع به المبتدئون في علم البيان، فأجبته وإن كنت لست أهلا لذلك، ولا من رجال تلك المهامه والمسالك ولكن حسن ظني بمفيض الإنعام، هو الذي حملنيعلى الحلول في هذا المقام، راجيا منه سبحانه وتعالى حسن القبول، والفوز برضاه بمحض فضله فإنه المأمول، وسميته ((حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون)) والله أسأل من فيضه العميم، أن ينفع به من تلقاه بقلب سليم، إنه مفيض الخير والجود وهو حسبي ونعم الوكيل.
Page 1
قال: بسم الله الرحمن الرحيم أقول: ابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بخبر ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر)) وفي رواية ((كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم)) ولا تعذر في العمل بالحديثين لحمل الابتداء فيهما على الأعم من الحقيقي والإضافي أو لحمله في الأول على الأول وفي الثاني على الثاني كما في القرآن المبين كيفية العمل بهما على أن اشتراط تحصيل البركة بالابتداء بهما معا محمول على الكمال وأما أصلها فحاصل بأحدهما بل بكل ذكر غيرهما كما يدل له رواية بذكر الله الدالة على اعتبار جهة عمومها وفي وصف الأمر بما بعده فائدتان: الأولى تعظيم اسم الله تعالى حيث لا يبدأ به إلا في الأمور التي لها شأن وخطر، الثانية التيسير على الناس في محقرات الأمور. وأورد أن كلا من البسملة والحمدلة من أفراد موضوع قضية الحديث فيحتاج كل منهما حينئذ إلى سبق مثله ويتسلسل. وأجيب بأن كلا منهما كما يحصل البركة لغيره ويمنع نقصه كذلك يجب أن يحصل مثل ذلك لنفسه كالشاة من الأربعين تزكى نفسها وغيرها والباء في البسملة متعلقة بمقدر وكونه فعلا ومن مادة التأليف هنا ومتأخرا أولى. أما الأول فلأصالة الفعل في العمل. وأما الثاني فلأنه أمس بالمقام إذ لا يشعر تقدير خلافه بما جعلت البسملة مبتدأ له. وأما الثالث فلأن تقديم المعمول هنا أدخل في التعظيم ودال على الاختصاص كما في - إياك نعبد -.
والاسم عند البصريين أحد الأسماء التي كثر استعمالها فخفف بحذف أعجازها وتسكين أوائلها ثم اجتلبت همزة الوصل عند الابتداء بها توصلا للنطق بالساكن واشتقاقه من السمو فأصله عند البصريين سمو ووزنه فعل وبعد التغيير أفع وعند الكوفيين أصله وسم حذفت الواو وعوض عنها همزة الوصل واشتقاقه من السمة وهي العلامة فالوزن قبل التغيير فعل وبعده أعل .
Page 2
والله علم على الذات الواجب الوجود ووصف الذات بما بعدها بيان للمسمى لا لاعتباره فيه وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة وليس كذلك بل هي وحدها وقيل مع الصفة واعترض على جعل الله علما بأن وضع العلم بإزاء ذاته تعالى فرع تعقله ولا تعقل فلا وضع وأجيب بتعقله تعالى بصفاته والمنفي تعقله بكنه حقيقته وهو غير لازم في وضع العلم على أن الواضع مطلقا أو واضع هذا الاسم وهو الله تعالى علمه لغيره بوحي أو إلهام.
والرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة مشتقان من رحم أي من مصدر ذلك والرحمة رقة في القلب وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان وأسماؤه المماثلة لهذه مأخوذة باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات لاستحالة الكيفيات النفسانية عليه تعالى فالرحمة هنا مجاز مرسل عن الإحسان أو إرادته استعمالا لاسم السبب في المسبب والأول أبلغ من الثاني لزيادة بنائه كما في قطع وقطع ولا نقض بحذر وحاذر لعدم التلاقي في الاشتقاق وقدم الله على تالييه لأنه اسم ذات وهي مقدمة على الصفة فقدم ما يدل عليها وهذا التقديم تعقلي وإلا فذات الله تعالى وصفاته ليس فيها تقديم ولا تأخير بحسب الواقع وقدم الرحمن على تاليه لأنه صار علما بالغلبة التقديرية من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى وأما قوله* وأنت غيث الورى لازلت رحمانا * فخطأ نشأ عن التعنت في الكفر واعترض بأن الصناعة تقتضي الترقي للأبلغ من غيره كما في عالم نحرير. وأجيب بجعل الثاني كالتتمة للأول باعتبار جلالة النعم فيه دون الثاني ومن أراد تحقيق الكلام على البسملة فعليه برسالتنا (كشف اللثام عن مخدرات الأفهام) فإنها من أجل ما ألف في هذا المقام. قال:
Page 3
الحمد لله البديع الهادي = إلى بيان مهيع الرشاد أقول: الحمد لغة هو الثناء بالكلام على المحمود بجميل صفاته، واصطلاحا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه ومعنى الشكر لغة هو معنى الحمد اصطلاحا بإبدال لفظ الحامد بالشاكر واصطلاحا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله وجملة الحمد مفيدة له ولو كانت خبرية لأن الإخبار بالثناء ثناء ولاختصاص جميع أفراده به تعالى وإن أشير بأل إلى غير كل الأفراد لكون الحمد صفة ذات أو صفة فعل وقدم المسند إليه للأصل والبلاغة وعرف بأل ليتأتى ما يصلح أن يراد بها وتحقيق الكلام على الحمد والشكر والمدح لغة واصطلاحا والنسبة بين أفراد الجميع في الرسالة المتقدمة والبديع المبدع للشيء على غير مثال فهو فعيل بمعنى فاعل ويطلق على الشيء المبدع فهو بمعنى مفعول وإطلاقه على الله تعالى صحيح بالمعنى الأول مستحيل بالمعنى الثاني. والهادي يطلق على الدال على الطريقة الموصلة إلى المطلوب وعلى خالق الهداية في القلب وهو بالمعنى الأول مشترك بين الله وأنبيائه وأوليائه وكل داع إليه تعالى من خلقه وهو المراد هنا وبالمعنى الثاني خاص به تعالى والبيان الإيضاح والمهيع الطريق والرشاد الصواب وفي ذكر البديع وبيان براعة استهلال وهي أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده كما يأتي في الفن الثالث. قال:
Page 4
أمد أرباب النهى ورسما = شمس البيان في صدور العلما أقول: الإمداد إعطاء المدد. وهو الزيادة في الخير والأرباب جمع رب والمراد به هنا الصاحب والنهى جمع نهية وهي العقل. والرسم هنا عبارة عن الإثبات والبيان المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وإضافته لما قبله من قبيل لجين الماء ويحتمل تشبيه البيان بالنهار ففيه مكنية وتخييلية. ويحتمل استعارة الشمس لقواعد علم البيان فالاستعارة تحقيقية. ومعنى كون البيان كالشمس أنه يظهر به غيره، وهو المعاني كما أن الشمس يظهر بها غيرها وإن كان الظهور الأول معنويا والثاني حسيا أي باعتبار المتعلق فيهما والرسم لمعنى البيان لا له والصدور جمع صدر مرادا به هنا القلب أي اللطيفة فهو مجاز بمرتبتين وأل في العلماء للكمال أي العاملين وفيه تنبيه على أن العلم لا يستقر ولا يثبت إلا في قلب تخلى عن الرذائل لمصادفته قلبا خاليا فيتمكن فإن الحكمة إذا لم تجد القلب كذلك فإنها ترجع من حيث أتت .
قال:
فأبصروا معجزة القرآن = واضحة بساطع البرهان
أقول: الفاء تفريعية والمراد بالإبصار هنا القلبي أي النظر بعين البصيرة والمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي فإضافته لما بعده بيانية إذ المراد به النظم المعجز وإن كان يطلق بالاشتراك اللفظي على الصفة القديمة أيضا فالإضافة قرينة معينة، وقوله بساطع البرهان من إضافة الصفة للموصوف أي البرهان الساطع أي الظاهر والبرهان العقلي قياس مركب من قضايا يقينية والمراد به هنا ما يعم النقلي، ولا شك أن كون القرآن من كلام الله تعالى الناشئ عن الإعجاز المفهوم من معجزة ثابت بالبراهين. أما الأول فكقولنا هذا الكلام معجز وكل معجز ليس من تأليف المخلوق فيكون من تأليف الخالق إذ لا واسطة. وأما الثاني وإن ترتب على الأول فكقوله تعالى- {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن}- الآية. قال:
Page 5