Lubb al-Lubab: Abridged Commentary on the Chapters of Etiquette

Abdullah bin Mani' Al-Roqi d. Unknown

Lubb al-Lubab: Abridged Commentary on the Chapters of Etiquette

لب اللباب «مختصر شرح فصول الآداب»

Publisher

جامع ابن القيم،حي المنار- الرياض

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

لُبّ اللُّبَاب «مُخْتَصر شَرْح فُصُولِ الآدَابِ» تأليف أَبي الْوَفَاء ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ شَرحه أبو مُحَمَّد عبد الله بن مَانع الرُّوقي

Unknown page

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين، مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل إلى المكلفين؛ لهدايتهم وبيان شرائع الدين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين، أحمده على جزيل نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد؛ فإن المولى ﷿ شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة كما قال -جلّ وعلا -: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)

1 / 5

أرسل إلينا الرحمة المهداة ﷺ فما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذر الأمة منه، ومن جملة ذلك ما جاء به من تكميل الآداب والحث عليها، قال ﵊: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (١)، وقد اعتنى علماء الملة بتأليف الكتب التي تُعنى في هذا الباب وأفردوا لها المؤلفات المطولة والمتوسطة والمختصرة، ومن هذه المؤلفات سِفرٌ مبارك، قليل العبارة، جزيل المعاني، جمع كثيرًا من مسائل الآداب، وقرن بعضها بالدلائل، ألا وهو كتاب "فصول الآداب" للإمام أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي المتوفى سنة ٥١٣هـ، إلا أن هذا الكتاب لم يُخدم الخدمة التي تليق بمكانته، مما دعا شيخنا صاحب الفضيلة الشيخ/ عبد الله بن مانع الروقي إلى القيام بشرحه. وقد تم ذلك في عدة مجالس جلّى فيها فضيلة الشيخ غامضه، وتبحر في دقائق مسائله، فقام بعض الإخوة بتفريغ الأشرطة المسموعة، وتخريج الأحاديث المذكورة ثم عُرض الكتاب بعد ذلك على فضيلة الشيخ فراجعه مشكورًا مأجورًا، فصحح ما كان فيه من خطأ، وزاد ما كان يحتاج إلى زيادة، حتى خرج لك الكتاب بهذه الحُلّةِ المباركة سائلين المولى ﷿ أن يبارك في جهود الشيخ، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين. وكتب فهد بن الحميدي البراق

(١) أخرجه أحمد ٢/ ٣٨١ (٨٩٣٩)، و"البُخاري" في "الأدب المفرد" ٢٧٣.

1 / 6

(المتن) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمِّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. هَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ فُصُوْلِ الآدَابِ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ المَشْرُوْعَةِ. (الشرح) الأدب: اسم جامع لكل ما يحسن من الأقوال والأفعال، ومن اتصف به سُمي أديبًا. ثم قال: (ومكارم الأخلاق) المكارم: جمع مكرمة، وهي فعل الخير. والأخلاق: جمع خلق وهي - بضم اللام وسُكونها -: أي الدِّين، والطَّبْع، والسَّجِيَّة، وحقيقتُه أنه لِصُورة الإنسانِ الباطنة، وهي نفْسُها وأوْصافُها ومَعانِيها المُخْتصَّة بها، بمنزلة الخَلْق لِصُورته الظاهرة وأوْصافِها ومَعانيها، ولهما أوصاف حَسَنة وقَبيحة، والثَّواب والعِقاب ممَّا يَتَعَلَّقان بأوصاف الصُّورة الباطنة، أكثر مما يَتَعَلَّقان بأوصاف الصورة الظاهرة، فالمؤلف يشير إلى أنه ينبه في كتابه على هذه الآداب الكريمة. وقد روى الإمام أحمد من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ، قال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (١).

(١) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: ٣١٧٧٣)، وأحمد (رقم: ٨٩٣٩)، وابن سعد (١/ ١٩٢)، وأخرجه الحاكم (رقم: ٤٢٢١)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

1 / 7

(المتن) فَصْلٌ السَّلَامُ المُبْتَدَأُ يَكُوْنُ مِنَ المَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَمِنَ الرَّاكِبِ عَلَى المَاشِي وَالجَالِسِ، وَالابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ، وَإِذَا سَلَّمَ الوَاحِدُ مِنَ الجَمَاعَةِ المُشَاةِ أَوِ الرُّكَّابِ أَجْزَأَ عَنِ الجَمَاعَةِ، وَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنَ الجُلُوسِ أَجْزَأَ عَنِ الجَمَاعَةِ. وَصِفَةُ السَّلَامِ: سَلَامٌ عَلَيْكُم، وَصِفَةُ الرَّدِّ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ. . وَالزِّيَادَةُ المَأْمُوْرُ بِهَا المُسْتَحَبَّةُ: وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. . وَيُسْتَحَبُّ (وَرَحْمَةُ اللهِ)؛ لِيَتْرُكَ لِلْمُجِيْبِ الزِّيَادَةَ المَأْمُوْرَ بِهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَبَرَكَاتُهُ، بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدِّهَا. . وَإِذَا سَلَّمَ ثُمَّ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ ثُمَّ اِلْتَقَوْا عَادَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ، كَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ وَرَضِيَ عَنْهُم. وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى شَوَابِّ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْلُبُ جَوَابَهُنَّ، وَسمَاعَ أَصْوَاتِهِنَّ، وَعَسَاهُ يَجْلُبُ الفِتْنَةَ، وَكَمْ مِنْ صَوْتٍ جَرَّ هَوَىً وَعِشْقًا، وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَامِ عَلَى العَجَائِزِ وَالبَارِزَاتِ؛ لِعَدَمِ الفِتْنَةِ بَأَصْوَاتِهِنَّ، وَلِأَنَّ البَرْزَةَ تَحْتَاجُ إِلَى السَّلَامِ عَلَيْهَا، وَرَدِّ سَلَامِهَا، وَلِلْحَاجَةِ تَأْثِيْرٌ بِذَلِكَ؛ لِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ المَرْأَةِ لِلشَّاهِدِ لِيَحْفَظَ الحِلْيَةَ فَيُقِيْمَ الشَّهَادَةَ، وَكَذَلِكَ الصَّائِغُ وَالمَغَازِلِيُّ، وَكُلُّ مَنْ تُعَامِلُهُ النِّسَاءُ مِنْ أَرْبَابِ التَّجَائِرِ وَالصَّنَائِعِ. وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ، تَعْلِيْمًا لَهُمْ لَلْأَدَبِ، وَتَحْبِيْبًا لِحُسْنِ الخُلُقِ، وَتَدْرِيْبًا عَلَى حُسْنِ المُعَاشَرِةِ. وَيَسْتَحَبُّ السَّلَامُ عِنْدَ الانْصِرَافِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الدُّخُوْلِ، وَالدُّخُوْلُ أَشَدُّ اِسْتِحْبَاْبًا.

1 / 8

(الشرح) نأتي إلى حكم السلام في البداية وفضله، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ، قال: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» وجاء في الباب أخبار عدة. واختلف أهل العلم في حكم الابتداء بالسلام: فقال بعضهم: إنه واجب، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الابتداء إنما هو سنة مؤكدة، واتفقوا جميعهم على أن الرد فرض، والمؤلف هنا مشى على أن الابتداء بالسلام سنة، والقول بالوجوب قول قوي، ولكن عامة أهل العلم على أنه سنة مؤكدة. جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁، أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» (١). فالسنة جاءت بأن الصغير يسلم على الكبير، وأن الماشي على الجالس، وأن القليل على الكثير، وأن الراكب يسلم على الماشي، ومعناه أنه مؤكد في حق الصغير، ومؤكد في حق الماشي، وفي حق القليل، وحق الراكب. أما ابتداء السلام فيجوز: "سلام عليكم"، والأفضل أن يكون معرفًا: "السلام عليكم"، وكذلك يكون: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وفي الرد إن شاء قال: "وعليكم السلام"، بالواو، وإن شاء قال: "عليكم السلام"، وترك الواو ما ينبغي، وإن

(١) أخرجه عبد الرزاق (رقم: ١٩٤٤٥)، أحمد (رقم: ٨١٤٧)، والبخاري (رقم: ٦٢٣١)، وأبو داود (رقم: ٥١٩٨)، والترمذي (رقم: ٢٧٠٤).

1 / 9

شاء قال: "السلام عليكم"، حتى في الرد، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ قال: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله»، فيجوز في الرد أيضًا أن يقول الإنسان: "السلام عليك"، والأفضل أن يقول: "وعليكم السلام"، وسبق لنا أن هذا الرد فرض. قال بعض أهل العلم: أن الإنسان إذا سُلم عليه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فله أن يرد بما جاء من زيادة فضل في رد السلام، وهو أن يقول: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته"، وذلك لما رواه البيهقي: كان النبي ﷺ إذا سلم علينا فرددنا ﵇، قلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته (١). ولكن هذا الحديث فيه أكثر من علة. وجاء في فضل درجات هذا الرد ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث عمران بن حصين: أن رجلًا أتى النبي ﷺ، فقال: السلام عليك، ثم قال: «وعليكم السلام» ثم قعد، فقال: «عشر»، ثم سلم عليه مرة أخرى رجل آخر، فقال: «السلام عليك ورحمة الله» ثم قعد فرد عليه، وقال: «عشرون» ثم سلم عليه آخر، فقال: السلام

(١) التاريخ الكبير (رقم: ١٠٣٧)، الكامل لابن عدي (٧/ ١٢٧) شعب الإيمان (رقم: ٨٤٩١)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ٦)، وأخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث زيد بن أرقم. أ. هـ.

1 / 10

عليك ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فرد عليه، ثم قال: «ثلاثون» (١)، وهذا هو القدر المحفوظ من حديث عمران. ثم قال المؤلف: (ويكره السلام. . . التجائر والصنائع). سبق أن ذكرنا أن السلام مشروع بعامة، وهو من حق المسلم على أخيه، فهل هذا يشمل السلام بين الرجال والنساء؟ نقول: الأصل العموم، فإن الإنسان يسلم على كل أحد؛ لكن في مسألة السلام على النساء تفصيل، فالنساء ينقسمن بالنسبة إلى المُسلم إلى أقسام: القسم الأول: أن يكن محارمًا. القسم الثاني: أن يكن أجانب عن الرجل لكنهن من معارفه. القسم الثالث: أجانب غير معارف. وتنقسم الأجنبيات إلى ثلاثة أقسام: ١ - الشابة فيترك السلام عليها بالاتفاق. ٢ - العجوز الكبيرة فيسلم عليها.

(١) أخرجه أحمد (٤/ ٤٣٩)، وأبو داود (رقم: ٥١٩٧)، والنسائي في الكبرى (رقم: ١٠١٦٩)، والترمذي (رقم: ٢٦٨٩)، والدارمي (رقم: ٢٦٦٩) من حديث عمران بن الحصين، وقال البزار في مسنده (رقم: ٣٥٨٨): وهذا الحديث قد روي نحو كلامه، عن النبي ﷺ من وجوه، وأحسن إسناد يروى في ذلك عن النبي ﷺ هذا الإسناد، وإن كان قد رواه من هو أجل من عمران فإسناد عمران أحسن) أ. هـ

1 / 11

٣ - الكبيرة غير العجوز فيشرع السلام إذا احتيج إلى ذلك؛ كأن يكون لها حرفة، وإن لم يكن لها شيء من ذلك، ولم تكن هناك حاجة، فقد يقال: لا يشرع السلام. والتسليم على الصبيان من إفشاء السلام، ومن حسن الأدب معهم، سواء غلب على ظنه أنهم سيردون أم لا، ويشمل هذا الصبيات أيضًا ما لم يكن هناك ريبة، وفي سلامه ﷺ عليهم دلالة لما تقدم ذكره من أن المارّ هو الذي يسلم على القارّ كما تقدم تقريره في جميع الأحوال وهذا ظاهر بحمد الله.

1 / 12

(المتن) فَصْلٌ وَالمُصَافَحَةُ مُسْتَحَبَّةٌ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا تَجُوْزُ مُصَافَحَةُ النِّسَاءِ الشَوَابِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُثِيْرُ الشَّهْوَةَ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَانَقَةِ، وَتَقْبِيْلِ الرَّأْسِ وَاليَدِ، لِمَنْ يَكُوْنُ مِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ أَوِ العِلْمِ أَوِ كِبَرِ السِّنِّ فِيْ الإِسْلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ القِيَامُ لِلإِمَامِ العَادِلِ، وَالوَالِدَيْنِ، وَأَهْلِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ وَالعِلْمِ وَالكَرَمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ. (الشرح) المصافحة حكمها: أنها سنة مؤكدة، وقد جاءت الأخبار في مشروعية المصافحة منها ما جاء في صحيح البخاري عن قتادة، قال: قلت لأنس ﵁: أكانت المصافحة في أصحاب النبي ﷺ؟ قال: نعم. والمصافحة تكون بين المتصافحين باليد اليمنى، وهذا معلوم، وقد سألت شيخنا ابن باز ﵀ عمن شُلّت يده اليمنى، أو بها علة هل يصافح باليسرى فأجاب: نعم. والمصافحة بكلتا اليدين عند الاحتفاء مباحة، لا سنة ولا بدعة. قلت: هو نوع احتفاء بالمصافَح. وفُهم من قول المؤلف: (ولا تجوز مصافحة النساء الشواب). أنه يجوز مصافحة النساء غير الشواب، وفي هذا نظر، والصواب أنه لا يصافح الإنسان إلا زوجه أو محارمه من النساء، ولا يصافح المرأة الأجنبية البتة. والدليل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ﵂، قالت: ما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط.

1 / 13

وقال بعضهم: لا بأس أن يصافح المرأة الأجنبية من وراء حائل، وتمسكوا ببعض الأخبار التي ليس لهم فيها متمسك، وفي بعضها أنه كان على يده قطعة قماش، ولكن لا يصح في هذا الباب شيء. مسألة: من أحكام المصافحة: مسألة مصافحة الكفار: هل يجوز مصافحة الكفار؟ الجواب: نقول: مصافحة الكفار تابعه للسلام عليهم، ونرجع حينئذٍ إلى السلام عليهم، فأما ابتداء الكافر بالسلام فلا يجوز، وقد جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ، قال: «لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» (١). فإذا كان لا يجوز ابتدائهم بالسلام فلا يجوز ابتدائهم بالمصافحة. وأما قوله: (ولا بأس بالمعانقة. . . في الإسلام). فهذا من باب الإكرام وليس له علاقة بالتحية لأن التحية الشرعية في الإسلام هي: (السلام والمصافحة) فالسلام بالكلام، والمصافحة باليد. أما تقبيل الرأس أو اليد فهذا من باب الإكرام، وبعض الناس يغلط، فيقابل كبير السن أو العالم، ويأخذ برأسه ويقبله، ويظن أن هذا سلام، فلا يصافحه ولا يسلم عليه، فإن قال: السلام عليكم، وأخذ برأسه وقبله، فهذا لم يصافحه، فنقول: السنة أن تصافح،

(١) أخرجه أحمد (رقم: ٨٥٤٢)، ومسلم (رقم: ٢١٦٧)، وأبو داود (رقم: ٥٢٠٥).

1 / 14

وتقول: السلام عليكم، فإن كان بعد ذلك إكرام من تقبيل الرأس أو اليد، فهذا لا بأس به، وهذا من باب الإكرام، وليس له علاقة بالسلام. والمعانقة إنما تكون عند القدوم من الأسفار، هذا ما فعله الصحابة. وتقبيل اليد موجود عند السلف على قلّته، وتقبيل اليد يباح لثلاثة: للعالم الورع، وللوالدين، والإمام العادل، أما فعل هذا لأهل المال والجاه والمناصب فمكروه، وأما فعله للولاة الظلمة ومن لا يقيم للدين قدرًا فمحرم. والقيام على أربع صور: الصورة الأولى: القيام على رأس من يراد حراسته، وهذا مباح. كقيام الصحابة على رأس النبي ﷺ لحراسته عام صلح الحديبية أثناء عقد الصلح، وغيره. الصورة الثانية: القيام للقادم ونحوه تعظيمًا، وهذا محرم. وأعظم من هذا القيام تعظيمًا للعَلَم مع ما فيه من مشابهة الكفرة الآن، ومما يمنع: القيام للمعلم عند دخوله فصل الدراسة وقد أفتى شيخنا بمنعه. الصورة الثالثة: القيام للتكريم عند قدوم والد أو ولد أو غيرهما، وهذا مباح. الصورة الرابعة: القيام لأجل حاجة من يقام له، وهذا مباح أيضًا.

1 / 15

ومن المسائل الملحقة بهذا الفصل المهم: التحايا التي تبذل للناس ويكرمون بها (عند البشر بعامّة) فمن أشهرها. ١ - الركوع. ٢ - السجود. ٣ - الركوع الناقص. ٤ - خلع القبعة التي على الرأس، أو وضع اليد على الجبهة. ٥ - مصافحة الداخل للجالسين في المجلس. فأما الأول والثاني فمحرم بالنص والإجماع، والثالث محرم أيضًا وقد نصّ على هذا شيخ الإسلام ﵀ وهو من صنيع العجم، والرابع فيه تشبه بالكفرة، والخامس وهو مصافحة الداخل للجالسين فلا أصل له من فعل النبي ﷺ وأصحابه والسلف، والمشروع إلقاء السلام ثم الجلوس حيث ينتهي به المجلس، ومن قال إن هذا مشروع فعليه الدليل ولن يجد إلى ذلك سبيلًا، وممن نصّ على هذه المسألة شيخنا ابن عثيمين ﵀. وقس ما لم أذكر من التحيات على ما ذكرت.

1 / 16

(المتن) فَصْلٌ وَيَنْبَغِيْ لِلإِنْسَانِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيْ سِرِّ قَوْمٍ، وَلَا حَدِيْثٍ لَمْ يُدْخِلُوْهُ فِيْهِ. وَلَا يَجُوْزُ الاسْتِمَاعُ إِلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُوْنَ. . وَمَنْ تَلَفَّتَ فِيْ حَدِيثِهِ فَهُوَ كَالمُسْتَوْدِعِ لِحَدِيْثِهِ، يَجِبُ حِفْظُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَلَفُّتَهُ يُعْطِيْ التَّفَلُّتَ وَالتَّفَزُّعَ. (الشرح) في هذا الباب مسائل: روى البخاري في صحيحه في باب حفظ السر في كتاب الأدب عن المعتمر بن سليمان بن طرخان عن أبيه عن أنس ﵁، قال: أَسَرَّ إلي النبي ﷺ سرًا فما أخبرت به أحدًا بعده، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به، وهذا كله من شدة حفظ أنس ﵁ لسر رسول الله ﷺ، وفي رواية لثابت البناني وكان من تلاميذ أنس ﵁ وكان أنس ﵁ يحبه واسمه ثابت بن أسلم البناني، وكان رجلًا صالحًا، قال: لو حدثت به أحدًا لحدثتك به يا ثابت. وقوله: (ولا يجوز الاستماع إلى كلام قومٍ يتشاورون). هذا كذلك من الآداب المتعلقة بحفظ السر، وإنما تشاوروا وانحازوا رغبةً في عدم اطلاع غيرهم على هذا الكلام، وحينئذٍ يكون الاستماع إلى هذا الحديث من المحرمات، والاستماع المراد به طلب السمع، فلا يجوز للإنسان أن يطلب سماع كلام قوم انحازوا عنه، وفي حديث أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس ﵂: أن النبي ﷺ، قال: «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة»

1 / 17

رواه البخاري في كتاب التعبير، فهذه عقوبة من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، ويعرف كونهم كارهين بالقرائن أيضًا، أو بالقول، أو بالفعل، والآنك هو الرصاص المذاب، ويختص الرصاص من بين المعادن بأنه ثقيل، ومؤذي، وهذا يدل على أن الاستماع إلى حديث الآخرين من الكبائر إذا كانوا يكرهون ذلك. ومن المسائل المهمة في السر: أولًا: يجب حفظ السر ويحرم البوح به، واتفق أهل العلم على أنه إن كان في إفشائه مضرة على صاحب السر أنه لا يجوز إفشاؤه. والسر عند كثير من الناس الآن لا قيمة له، لأنك قد تذكر هذا الكلام وتصرح به بأنه سر، ثم تفاجأ بالغد أن هذا على ألسنة الناس!! ولهذا ينبغي أن ينظر الإنسان إذا أراد أن يستودع سرًا أن يستودعه إلى شخص ذي دين ومروءة وعقل، والحاجة داعية إلى الاستسرار.

1 / 18

(المتن) فَصْلٌ وَيُكْرَهُ الخُيَلَاءُ وَالزَّهْوُ فِيْ المَشْيِ، وَإِنَّمَا يَمْشِيْ قَصْدًا؛ فَإِنَّ الخُيَلَاءَ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ تَعَالَى؛ إِلَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. (الشرح) الصواب أنه تحرم الخيلاء ويحرم الزُّهُو؛ لأنه من مظاهر الكبر، والكبر محرم بالنص والإجماع، وقد تُوعّد عليه بالنار والحرمان من الجنة، نسأل الله العافية. وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ﵁: أن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس» ومن صور الكبر: دفع الحق، ورفضه، وعدم قبوله، والالتفاف عليه، وتأويله، وازدراء الناس، واحتقارهم، والمشي بخيلاء وزهو، والإسبال. قال المؤلف: (فإن الخيلاء مشية يبغضها الله تعالى إلا بين الصفين). يعني أن الأصل في مشي الرجل خيلاء أنه محرم، ومن الكبائر، ويستثنى من ذلك القتال، وروي أيضًا أن أبا دجانة "سماك بن خرشة" ﵁ كان يمشي بين الصفوف يتبختر، فنظر إليه النبي ﷺ، فقال: «إن هذه مشية يبغضها الله تعالى، إلا في هذا الموطن» (١).

(١) أخرجه الطبراني (رقم: ٦٥٠٨).

1 / 19

(المتن) فَصْلٌ وَمِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ التَّغَافُلُ عَنْ ظُهُوْرِ مَسَاوِئ النَّاسِ، وَمَا يَبْدُو فِيْ غَفَلَاتِهِمْ، مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ، أَوْ خُرُوْجِ رِيْحٍ لَهَا صَوْتٌ، أَوْ رِيْحٍ. . وَمَن سَمِعَ ذَلِكَ فَأَظْهَرَ الطَّرَشَ أَوِ النَّوْمَ أَوِ الغَفْلَةَ لِيُزِيْلَ خَجَلَ الفَاعِلِ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ. (الشرح) وهذا الفصل يعالج الأخطاء التي تقع في المجلس من غير قصد، فمعلوم أن اجتماع الناس في المجالس على اختلاف أنواع الاجتماعات، في علم أو في حديث أو سمر أو مؤانسة أو ما أشبه ذلك، قد يقع فيه من العوارض التي قد يستحيا منها. فإذا حصل للإنسان في المجلس مثل هذا، كخروج ريح لها صوت، أو انكشاف عورة، أو شرق في مشروب، أو غصّ بمطعوم، أو خرج من أنفه شيء، أو سكب طعامًا، أو عثر فسقط، أو سقط منه شيء، أو ظهر منه ما يكره، فإنه ينبغي التغافل عن ذلك، وعدم الضحك، والاشتغال بأمر آخر حتى يكون فيه إذهاب الخجل واللوم عن هذا الشخص، وهذا من مكارم الأخلاق، ومن صفات كبار النفوس، وقد سمعت شيخنا ابن باز ﵀ يقول: إذا حصل هذا في المجلس (الضرطة)، فينبغي عدم المبالاة بهذا الشيء، وإظهار التغافل، حتى لا يحرج صاحب الشأن. أ. هـ واللجاجة والتنقيب في هذا من العسر والنكد في الأخلاق.

1 / 20

(المتن) فَصْلٌ وَعَشَرَةٌ مِنَ الفِطْرَةِ، خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الجَسَدِ. فَالَّتِيْ فِيْ الرَّأْسِ: الْمَضْمَضَةُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ. وَالَّتِيْ فِيْ الجَسَدِ: حَلْقُ العَاْنَةِ، وَنَتْفُ الإِبِطَيْنِ، وَتَقْلِيْمُ الأَظْفَاْرِ، وَالاسْتِنْجَاءُ وَالخِتَانُ. (الشرح) ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - هذا الباب هنا، ومحله في كتاب الطهارة، وهو يتعلق بآداب الجسد، ولاشك أن الآداب الجسدية، ومظهر الشخص، وريحه، ونظافة ثيابه، من الآداب العظيمة جدًا. قوله: (وعشر من الفطرة) يريد الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة ﵂: أن النبي ﷺ قال: «عشر من الفطرة. . .». قول المؤلف: (فالتي في الرأس: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وإعفاء اللحية). فالمضمضة والاستنشاق من أفعال الوضوء، ومحلها عند غسل الوجه، وقد بينتها السنة، وهي واجبة في الوضوء والغسل من الجنابة، على الصحيح. والسواك يطلق على عود الأراك، وهو في الأصل سنة مؤكدة عن النبي ﷺ، وقد روى البخاري في صحيحه: أن النبي ﷺ، قال: «أكثرت عليكم في السواك» وهو متأكد في عدّة مواضع، عند الوضوء، والصلاة، ودخول المنزل؛ كما روى ذلك مسلم في صحيحه من حديث الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ

1 / 21

سَأَلْتُ عَائِشَةَ قُلْتُ بِأَيِّ شَيءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ بِالسِّوَاكِ. وفيه من الفوائد أن التسوك عند دخول المنزل مع كونه امتثالا لسنة النبي ﷺ ففيه أيضًا تطهير فم الإنسان لعشرة أهله. واختلف فيه هل يكون باليمين أو بالشمال؟. . منهم من فصَّل، فقال: إن كان يستاك لمجرد فعل السنة فباليمين، وإن كان لإزالة الأذى فبالشمال، وهذا التفصيل ليس ببعيد. قوله: (وقص الشارب). اختلف أهل العلم في السنة في الشارب هل يحلق أم يُقص؟ والصحيح أن السنة القص، وأما الحلق فمباح، لكنه خلاف الأولى، وله وجهة وسلف. قوله: (وإعفاء اللحية). هذه فيها مسائل: الأولى: أن العلماء - عليهم رحمة الله - اتفقوا على تحريم حلق الحية، وهي الشعر النابت على الخدين والذقن، فيشمل عظم اللحي إلى ملتقى العظمين في الذقن، ويشمل ما على الخدين، وخرج بهذا الشعر الذي على الحلق، فليس من اللحية، أما الشعر الذي على الفك السفلي فهو من اللحية. فالشعر على الخدين والفكين فهو من اللحية، والعنفقة - وهي الشعر النابت على الشفة السفلى- من اللحية أيضًا. ومن المسائل أيضًا مسألة حد الإعفاء، فالأصل في الإعفاء الترك، والإعفاء المراد به التكثير، وقد وردت ألفاظ تدل بمجملها على تركها مطلقًا؛ كما قال ﷺ: «أعفوا اللحى»،

1 / 22

«أوفوا»، «أرخوا»، «وفروا» فهذه أربعة ألفاظ تدل على ترك اللحية وعدم التعرض لها، وهذا المذهب الأول في صفة اللحية، واحتجوا أيضًا بأنه صح عن النبي ﷺ أن لحيته كانت كثة، واللحية الكثة تدل على كثرة الشعر وطوله، والأخذ ينافي الكثرة والطول، واحتجوا أيضًا بأنه ﷺ كانت لحيته ترى من خلفه، كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي معمر وهو عبد الله بن سخبرة، قال: سألنا خبابًا بأي شيء كنتم تعرفون قراءة النبي ﷺ في صلاة الظهر؟ فقال: باضطراب لحيته. قالوا: واللحية القصيرة لا تضطرب. وأما المذهب الثاني في هذه المسألة: أن اللحية الشرعية تكون قبضة، فما فضل يؤخذ شرعًا، واحتجوا بأن ابن عمر ﵁: كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. روى ذلك عنه مالك في الموطأ، ورواه البخاري. ولكن نقول أن المحفوظ عن ابن عمر ﵁ أنه كان يفعله في الحج والعمرة فقط، وروي عن أبي هريرة ﵁ نحوه. ولكن نقول: هذا لا حجة لهم فيه لأمور منها: أن ابن عمر ﵁ هو أحد رواة حديث: «وفروا اللحى». المذهب الثالث في هذه المسألة: أنه يجوز أخذ ما شذ ونفر وآذى من اللحية، وهذا لا ينافي الإعفاء في الحد والحقيقة فهو راجع إلى القول الأول، وهذا الذي بيّنه فعل السلف والأئمة كالإمام أحمد وغيره، فالمنقول عن السلف قولان التقبيض أحيانًا، وهذا القيد لابد منه - أعني أحيانًا - وهذا القول الذي حكيته أخيرًا، فصار خلاصة مذهب السلف في المسألة

1 / 23