Lubāb al-taʾwīl fī maʿānī al-tanzīl
لباب التأويل في معاني التنزيل
علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي أبو الحسن، المعروف بالخازن (المتوفى: 741هـ) - 741 AH
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٥ هـ
Publisher Location
بيروت
قوله تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ قال ابن عباس: لما أخبر الله ﷿ المؤمنين على لسان نبيه ﷺ بما فعل بشهدائهم يوم بدر من الكرامة رغبوا في ذلك فتمنّوا قتالا يستشهدون فيه فيلحقون بإخوانهم فأراهم الله يوم أحد فلم يلبثوا أن انهزموا إلّا من شاء الله منهم فأنزل الله هذه الآية وقيل إن قوما من المسلمين تمنّوا يوما كيوم بدر ليقاتلوا فيه ويستشهدوا فأراهم الله يوم أحد ومعنى قوله له تمنون الموت أي تطلبون أسباب الموت وهو القتال والجهاد من قبل أن تلقوه أي من قبل أن تلقوا يوم أحد فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ يعني رأيتم ما كنتم تتمنّون والهاء في رأيتموه عائدة على الموت أي رأيتم أسبابه معاينين له شاهدين قتل من قتل من إخوانكم بين أيديكم وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قيل ذكره تأكيدا. وقال الزجاج: معناه فقد رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول:
رأيت كذا وكذا وليس في عينك علة أي رأيته رؤية حقيقية وقيل: معناه وأنتم تنظرون ما تمنيتم فلم انهزمتم.
قوله ﷿:
[سورة آل عمران (٣): آية ١٤٤]
وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ قال أهل المغازي خرج رسول الله ﷺ حتى نزل بالشعب من أحد في سبعمائة رجل وجعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين رجلا وقال: «أقيموا بأصل الجبل وانضحوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من خلفنا فإن كانت لنا أو علينا لا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فأنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» وكانت قريش على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ومعهم النساء يضربن بالدفوف وينشدن الأشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب وحمل النبي ﷺ وأصحابه على المشركين فهزموهم وكان النبي ﷺ قد أخذ سيفا وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن» فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري فلما أخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر في مشيته فقال رسول الله ﷺ: «إنها لمشية يبغضها الله تعالى ورسوله إلّا في هذا الموضع» فلما نظرت الرماة إلى المشركين وقد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب، فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله وحمل على أصحاب رسول الله ﷺ فهزموهم ورمى عبد الله بن قميئة رسول الله ﷺ بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ونهض رسول الله ﷺ إلى صخرة ليعلوها فلم يستطع وكان قد ظاهر بين درعين فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى على الصخرة فقال رسول الله ﷺ: «أوجب طلحة» ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ﷺ يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت من ذلك قلائد وأعطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة رضي الله تعالى عنه وكان قد قتل يومئذ فأخذت منها قطعة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها وأقبل عبد الله بن قميئة يريد قتل رسول الله ﷺ فذب عنه مصعب بن عمير ﵁ وهو يومئذ صاحب راية رسول الله ﷺ فقتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل رسول الله ﷺ فرجع وقال: إني قد قتلت محمدا وصاح صارخا ألا إن محمدا قد قتل ويقال إن الصارخ إبليس اللعين فانكفأ الناس وجعل رسول الله ﷺ يقول: «إليّ عباد الله إليّ عباد الله» فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له رسول الله ﷺ كنانته وقال: «ارم فداك أبي وأمي» وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر معه جعبة النبل فيقول: «انثرها لأبي طلحة» وكان إذا رمى تشرف رسول الله ﷺ ينظر موضع نبله وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله فيبست حين وقى بها رسول الله ﷺ وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ حتى وقعت على وجنته فردها رسول الله ﷺ فعادت أحسن ما كانت فلما انصرف رسول الله ﷺ أدركه أبي بن خلف
1 / 303