Lubab Fi Culum Kitab
اللباب في علوم الكتاب
الثاني: أن الإيمان مجرد الإقرار باللسان، وهو قول الكرامية، وزعموا أن المنافق مؤمن الظاهر كافر السريرة، فثبت له حكم المؤمنين في الدنيا، وحكم الكافرين في الآخرة، فهذا مجموع أقوال الناس في مسمى الإيمان في عرف الشرع.
و " بالغيب " متعلق ب " يؤمنون " ، ويكون مصدرا واقعا موقع اسم الفاعل، أو اسم المفعول، وفي هذا الثاني نظر؛ لأنه من " غاب " وهو لازم، فكيف يبنى منه اسم مفعول من حتى يقع المصدر موقعه؟ إلا أن يقال: إنه واقع موقع اسم مفعول من " فعل " مضعفا متعديا، أي: المغيب، وفيه بعد. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون مخففا من " فيعل " نحو: " هين " من " هين " ، و " ميت " من " ميت ". وفيه نظر؛ لأنه لا ينبغي أن يدعى ذلك فيه حتى يسمع مثقلا كنظائره، فإنها سمعت مخففة ومثقلة، ويبعد أن يقال: التزم التخفيف في هذا خاصة. ويجوز أن تكون " الباء " للحال فيتعلق بمحذوف أي: يؤمنون متلبسين بالغيب عن المؤمن به، و " الغيب " حينئذ مصدر على بابه.
فصل في معنى " يؤمنون بالغيب "
في قوله " يؤمنون بالغيب " قولان:
الأول: قول أبي مسلم الأصفهاني أن قوله: " يؤمنون بالغيب " صفة المؤمنين معناه: أنهم يؤمنون بالله حال الغيبة كما يؤمنون به حال الحضور، لا كالمنافقين الذين { إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: ءامنا: وإذا خلوا إلى شيطينهم قالوا: إنا معكم }.
نظيره قوله:
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب
[يوسف: 52]، وذلك مدح للمؤمنين بأن ظاهرهم موافق لباطنهم ومباين لحال المنافقين.
الثاني: وهو قول جمهور المفسرين أن الغيب هو الذي يكون غائبا عن الحاسة، ثم هذا الغيب ينقسم إلى ما هو عليه دليل، وإلى ما ليس عليه دليل.
فالمراد من هذه الآية مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي دل عليه بأن يتفكروا، ويستدلوا فيؤمنوا به، وعلى هذا يدخل فيه العلم بالله - تعالى - وبصفاته والعلم بالآخرة، والعلم بالنبوة، والعلم بالأحكام بالشرائع، فإن في تحصيل هذه العلوم بالاستدلال مشقة يصلح أن يكون سببا لاستحقاق الثناء العظيم.
Unknown page