Lubab Fi Culum Kitab
اللباب في علوم الكتاب
أو لأنه لما نزل من السماء إلى الأرض أشير بإشارة البعيد.
أو لأنه كان موجودا به بنبيه عليه الصلاة والسلام.
أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ.
وفي عبارة المفسرين أشير بذلك إلى الغائب يعنون البعيد، وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضرا ذهنا أو حسا، فعبروا عن الحاضر ذهنا بالغائب أي حسا وتحريرا لقول ما ذكرته لك. وقال الأصم وابن كيسان: إن الله - تعالى - أنزل قبل سورة " البقرة " سورا كذب بها المشركون، ثم أنزل سورة " البقرة " فقال: " ذلك الكتاب " يعني ما تقدم " البقرة " من السور لا شك فيه.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: سلمنا أن المشار إليه حاضر، لكن لا نسلم أن لفظة " ذلك " لا يشار بها إلا إلى البعيد.
بيانه: أن " ذلك " و " هذا " حرف إشارة، وأصلهما " ذا " لأنه حرف الإشارة، قال تعالى:
من ذا الذي
[البقرة: 245].
ومعنى " ها " تنبيه، فإذا قرب الشيء أشير إليه فقيل: هذا، أي: تنبه أيها المخاطب لما أشرت إليه، فإنه حاضر معك بحيث تراه، وقد تدخل " الكاف " على " ذا " للمخاطبة، و " اللام " لتأكيد معنى الإشارة، فقيل: " ذلك " ، فكأن المتكلم بالغ في التنبيه لتأخر المشار إليه عنه، فهذا يدل على أن لفظة " ذلك " لا تفيد البعد في أصل الوضع، بل اختص في العرف بالفرس ، وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدب على الأرض.
وإذا ثبت هذا فنقول: إنا نحمله ها هنا على مقتضى الوضع اللغوي، لا على مقتضى الوضع العرفي، وحينئذ لا يفيد البعد، ولأجل هذه المقارنة قام كل واحد من اللفظين مقام الآخر.
Unknown page