على أخباره، وعالم بأسراره، يجعله عدوًا، إن علم خيرًا أخفاه، وإن توهم شرًا أفشاه، فهو قذاةٌ في عينه، لا يطرف عنها، وشجّى في حلقه، ما يتسوغ معه، فليته إذ لم يكرم مثواه، كفَّ عنه أذاه، فإنما دار المرء دنياه. أو لم يسمع قول الشاعر؟:
ونكرم جارنا حتى ترانا ... كأن لجارنا فضلًا علينا
عن الوليد بن هشام قال: وفد زيادٌ الأعجم على حبيب بن المهلب، وهو بخراسان، فبينا هو وحبيب ذات عشية يشربان، إذ سمع زيادٌ حمامة تغني على شجرة كانت في دار حبيب بن المهلب، فقال:
تغني أنت في ذممي وجاري ... بأن لا يذعروك ولن تضاري «١»
إذا غنيتني وطربت يومًا ... ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأرًا ... بقتلهم لأنك في جواري
فأخذ حبيبٌ سهمًا فرماها فأنفذها. فقال زياد: يا حبيب، قتلت جاري، بيني وبينك المهلب. فاختصما إلى المهلب، فقال المهلب: زياد لا يروع جاره، قد لزمتك الدية، ألف دينار! فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب:
أبو أمامة لا يروع جاره، ادفعها إليه!! فدفع إليه ألف دينار. فقال زياد:
فلله عينًا من رأى كقضيةٍ ... قضى لي بها شيخ العراق المهلّب
قضى ألف دينارا لجارٍ أجرته ... من الطير حضَّانٍ على البيض ينعبُ
رماه حبيب بن المهلب رميةً ... فأنفذه بالسهم والشمس تغربُ