وكانت ليلى فعلا تحتاج إلى علاج، وعلاج طويل، وقد استطاعت أمها أن ترغمها على تنفيذ أوامر الطبيب في دقة متناهية. فكانت تأتي إلى بيتها منذ الصباح لا تغادره إلا عند المساء حين تطمئن أن كل ما يريده الطبيب قد تم.
وإزاء هذا الإصرار لم يجد الطفل بدا من أن يبدأ في التكوين، فبدأ.
الفصل الحادي والعشرون
كانت ليلى في الشهر الأخير من حملها، وكانت مستلقية على كرسي يحنو عليها وقد أرخت رأسها إلى ظهره، وجلس عباس أمامها ينظر إلى عينيها فينساب الهدوء إلى نفسه أنيسا مطمئنا. وفاجأته زوجته: ماذا سنسميه يا عباس؟
وابتسم عباس وقال في دعة: هل وصلتك الأنباء أنه ولد؟
وفي استرخائها الحالم قالت: قل يا رب. - أتظنين أنها تفيد؟ أعتقد أن هذه المسالة تتم دون الالتفات إلى الدعوات. - وماذا يضيرك أن تقول يا رب؟! - لا أحب أن أقول شيئا لا يفيد. - ألا تحس بالراحة أن تجد من تلجأ إليه؟ عجيبة! - أنا لا أعرف إلا نفسي ألجأ إليها. - ولكني أظن أن عم الشيخ سلطان هو الذي أنفق عليك حتى تخرجت، وأنفق عليك حتى تزوجت. - هذا واجبه. - وهل يؤدي كل إنسان واجبه؟
وأحس عباس أن السؤال يخفي وراءه شيئا، وإن كان واثقا أنها تجهل موضوع إيفون جهلا تاما، ولكنه قال بلا وعي: ماذا تقصدين؟ - حكمة عامة، لا أقصد شيئا معينا. - آه.
وصمتت ليلى قليلا، ثم قالت: قل لي يا عباس، ألا تحس أن غضب أبيك ومقاطعته لنا تجعلك تحتاج إلى شيء؟ ألا تحس الآن أكثر من أي وقت مضى أنك في حاجة إلى قوة عليا؟ - أحس أنني في حاجة إلى نفسي. - كم أنت مغرور. - أنا أبصر، ولا أصدق إلا ما أبصر.
وسكتت ليلى وسكت، ثم قالت فجأة: ماذا نسميه؟
وابتسم عباس وقال لها: وإن كانت بنية؟ - لا، أريد ولدا يا رب، والنبي يا رب، ولد. - وحين تكون بنية جميلة مثلك هادئة حلوة تشيع الأمن والطمأنينة في كل الحياة التي تحيط بها.
Unknown page