125

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

Genres

معنى التزكية الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلًا، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلًا، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:٤٢]. فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه كما وحد الله ﷿ وعرفنا به ودعا إليه، وسلم تسليمًا. أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ﷿، وخير الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. إن من مهمات النبي الكريم ﷺ: تزكية نفوس العباد، كما قال الله ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:٢]، فمن مهمات النبي ﷺ: تزكية النفوس. والتزكية هي التعلية، وهي التطهير كما سميت صدقة المال الواجبة زكاة؛ لأن بها يطهر المال عندما يخرج العبد حق الله ﷿ فيه، وكذلك يصفو قلب المزكي ويتخلص من عادة الشح والبخل والتعلق بالمال، وتطهر نفس الفقير من حسد الغني، ويطهر المجتمع من الحوادث التي تكون نتيجة لتفاوت الطبقات وعدم حصول الفقير على شيء من مال الغني، فهي زكاة للمال، وزكاة للمزكي وزكاة للمزكى عليه، وزكاة للمجتمع. فالتزكية: هي التنمية، وهي التطهير، وهي التعلية، يقال: زكا الزرع إذا بلغ كماله. كذلك النفس تزكو عندما تستجيب لأمر الله ﷿، ولأمر رسول الله ﵌. وقد من الله ﷿ على عباده بهذه التزكية، فقال ﷿: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور:٢١]، وكان النبي الكريم ﷺ يدعو الله ﷿ بهذه الزكاة فكان من دعائه: (اللهم أعط نفسي تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)، فكان يسأل الله ﷿ أن يزكي نفسه. أقسم الله ﷿ في كتابه أحد عشر قسمًا متواليًا -وليس في القرآن كله من أوله إلى آخره أقسام متوالية على هذا النسق وبهذا العدد- على أن فلاح العباد في تزكية نفوسهم، وعلى أن خيبتهم في تدسية نفوسهم، فقال ﷿: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:١ - ١٠]. فالله ﷿ يريد أن يلفت أنظار العباد إلى خطر هذه الحقيقة، وهي أن فلاح العباد وفوزهم ونجاحهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة في تزكية نفوسهم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:٩ - ١٠]. والتدسية عكس التزكية، فالتزكية: التنمية والتطهير والإعلاء. والتدسية: التصغير والتحقير حتى تصير النفس حقيرة دنيئة لا تكاد ترى من حقارتها ودناءتها، كما قال ﷿: ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل:٥٩]، أي: يخفيه في التراب، فلا فلاح للعباد في الدنيا والآخرة إلا في تزكية نفوسهم، والنفس بطبيعتها -وهذه عجيبة من عجائب النفس البشرية- فيها استعداد للتعلية والترقية حتى يكون العبد أفضل من ملائكة الله ﷿، وفيها استعداد كذلك للتدسية والتصغير حتى يصير العبد أخبث من إبليس، كما قال بعضهم: وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من ج

15 / 2