185

Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud

دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود

Genres

إيجاد النموذج العملي للعقيدة أيضًا من الجانب العملي لمنهج الرسول ﷺ في المدينة: إيجاد النموذج العملي للعقيدة: فقد كان الواحد من الصحابة ﵃ وأرضاهم تطبيقًا عمليًا لكل ما يؤمن به، حيث كان ذا طاعة تامة وامتثال مباشر، وهذه هي الحقيقة الإيمانية. فأصحاب النبي ﷺ قبل تحريم الخمر كان بعضهم جالسًا يشرب الخمر، فيأتيه الأمر من الله ﷾ بتحريم الخمر؛ فيقلع عنه خلال لحظات. والمرأة المسلمة يأتيها الأمر من الله ﵎ بالحجاب فتبادر بامتثال هذا الأمر الرباني، فتحتجب، وتصلي مع النبي ﷺ أول صلاة وهي محتجبة، ولقد كانت الصحابيات كأنهن الغربان حين صلين مع رسول الله ﷺ بعد الأمر بالحجاب. فالرسول كان يأمر فينفذ أمره، والرسول يقول فيُسمع ويُطاع قوله، أما نحن اليوم فمن مصيبتنا أننا نؤمن نظريًا؛ ثم إذا جئنا إلى الجوانب العملية نجد التنفيذ قليلًا أو ضعيفًا أو أحيانًا لا يوجد تنفيذ، فالرسول ﷺ كان يربي؛ ولهذا كان كل صحابي من أصحاب النبي ﷺ تجده في معاملته وخلقه وسلوكه وأموره كلها تطبيقًا عمليًا لهذه العقيدة، حتى إن الواحد منهم كان لا يكذب ولا يغدر، حتى على الكفار. فهذا خبيب بن عدي ﵁ وأرضاه لما أسر وذُهب به إلى مكة سجن، ولما حدد موعد القتل ليشهده الطغاة والكفار في مكة لتنفيذ الإعدام والقتل لهذا الصحابي الجليل سجنوه في أحد البيوت، ومع هذا فإنه ﵁ وأرضاه لم يغدر، حيث إن المرأة أرسلت لـ خبيب الموسى حتى ينظف نفسه؛ ليستعد للقاء الله ﷾ والشهادة في سبيله؛ كما يستعد المحرم عندما يحرم بالحج أو العمرة؛ فإنه يتنظف ويزيل عنه شعثه وغبره وشعره الزائد استعدادًا للإحرام، كذلك أيضًا فعل خبيب؛ لأنه يعلم أن المشركين حددوا ذلك الوقت ليقتلوه، فأخذ يستعد للقاء الله ﷾، فطلب الموسى حتى يستحد، وحتى يهيئ نفسه؛ ليكون نظيفًا طاهرًا في ثيابه وفي جسده الظاهر، كما أنه نظيف طاهر في قلبه وإيمانه ﵁. فأرسلت المرأة التي كان خبيب يسكن عندها الموسى مع طفلها، فذهب هذا الطفل ليعطيه إياه، فلما مرت عليها لحظات تذكرت أنها وقعت في ورطة، وقالت: أرسلت طفلي بالموسى لرجل ينتظر القتل بعد سويعات، فما يؤمنني لعله أن ينتقم من المشركين بأن يقتل هذا الطفل في آخر لحظة، حتى يؤدب أبا هذا الطفل وغيره ممن تعاونوا على قتله! وفعلًا ذهب الطفل وأعطى خبيبًا الموسى، وبعد أن يعطيه الموسى إذا بالأم تأتي هلعة مذعورة، خوفًا على ابنها، فقال لها خبيب: (هل تخافين عليه مني؟! ما كنت لأفعل). إنه خلق الإيمان منه ﵁ وأرضاه! وهكذا يتحول المؤمن في كل مكان إلى واقع وتطبيق عملي لهذه العقيدة، فلا يكذب على إخوانه المؤمنين، ولا على غيرهم، ولا يغدر حتى ولو على الكفار، إلا إذا كان وقت المعركة والحرب مع من لا ذمة له، فالحرب خدعة، كما قال الرسول ﷺ، لكن من خلق المؤمن أنه لا يستبيح أموال ولا دماء ولا أعراض الكفار إلا إذا كانوا محاربين. إذًا: كان أصحاب النبي ﷺ قد رُبوا على أن تكون حياتهم تطبيقًا عمليًا لتلك العقيدة.

8 / 14