132

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

Genres

بينات الرسل ورد المرسل إليهم لها قال تعالى: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ» فكم من الأجيال مرت؟ وكم من القرون مضت؟ وكم من العقوبات نزلت؟ وكم من الناس الذين تصارعوا؟ وكل ذلك أين هو الآن؟! فكما رحلوا هم سنرحل نحن أيضًا، وسيرحل أعداؤنا، وسنقف جميعًا بين يدي الله ﷾. قال تعالى: «وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ»، وكذب النسابون، فلا يُعرف من بعد هؤلاء على وجه اليقين، ولذلك نفوض علمهم إلى الله ﷾، والفائدة ليست في الأشخاص والأمكنة والأزمنة، ولا في عدد القرون، وإنما الفائدة هي فيما كان من طبيعة هذا الصراع الذي دار وحصل، ويحدث مثله في كل عصر وفي كل حين. قال تعالى: «جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ»، فالرسل تأتي بالحجج الواضحة البينة التي هي أوضح من الشمس، وكل من دعا بدعوتهم كذلك يأتي بالبينات، ولكن ليست المشكلة في مدى وضوح البينة، ولكن في الأعين التي تبصر، وفي القلوب التي تعي، فكم من أناس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها! وكم من أناس لا يرون البينات في حين يكون الطريق أوضح ما يكون، وتكون الحجة بينة قائمة، ومع ذلك فلا تقبل، ويكون الفرق بين العدل والظلم كما بين الليل والنهار، ومع ذلك يفضل أكثر الناس الظلم والظلام، والعياذ بالله من ذلك. يقول تعالى: «جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ» فهم إما أشاروا لهم بالسكوت، بحيث وضعوا أيديهم على أفواه أنفسهم حتى يسكت الرسل، وتتوقف الدعوة إلى الله ﷾، وذلك يكون غالبًا على سبيل التهديد والوعيد، وإما وضعوا أيديهم على أفواه الرسل لإسكات صوتهم ودعوتهم، ظانين أن دعوة الرسل يمكن إسكاتها بذلك. ولذا فإن الدعوة قد تواجه بمثل ذلك، أي: محاولة الإسكات لها، إما بالتهديد والوعيد، وإما بالإسكات المباشر، بتكميم الأفواه بالفعل حتى لا يخرج للداعي إلى الله ﷿ صوت، ومع ذلك فإن الدعوة ستبقى كما قص الله ﷿ علينا، فلم تتوقف دعوة الرسل أبدًا بمثل هذه المحاولات، وبقدر ما يكون الإنسان متمسكًا بدعوة الرسل -على وضوح منهجها، وعلى معالمها الأساسية، وعلى تفاصيلها، يلتمسها من كتاب الله ومن سنة رسول الله ﷺ تبقى دعوته عبر الأجيال والعصور، وعبر الأزمنة والأمكنة بفضله ﷿؛ لأنها دعوة الرسل التي لا تموت، وإنما يموت أعداؤها.

12 / 6