293

Lessons by Sheikh Nabil Al-Awadi

دروس للشيخ نبيل العوضي

Genres

الدعوة لغير الله وترك الإخلاص
السبب الأول يا عبد الله: بعض الناس يدعو لكن لغير الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكن لغير الله جل وعلا، يدعو لنفسه، يدعو لسمعة، يدعو لوجاهة؛ حتى يصل إلى منصب، حتى يقال في الناس: فلان ما شاء الله اهتدى على يديه عشرة، يتمنى هذه الكلمات، ما يريد وجه الله ﵎.
يريد أموالًا من الناس، يعلِّم القرآن، يدرِّس الناس، يهديهم إلى الله جل وعلا من أجل حفنة دنانير، لَمْ يدعُ إلى الله جل وعلا؛ ولكن دعا من أجل هذه الدنانير، وكانت الأنبياء تقول لأقوامها: ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [هود:٥١].
إنما يتعثر وينقطع عن الدعوة من لم يخلص لله، هل حقًا كنت تدعو إلى الله؟ فما بالك اليوم جلست؟! هل الله ﵎ الذي كنت تدعو إليه في السابق غاب الآن؟
انظر لنوح ﵊، انظر للمخلص، تعرف كم ظل يدعو إلى الله ﵎؟!
ألف سنة إلا خمسين عامًا، كلها دعوة إلى الله جل وعلا: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ [نوح:٥] ما كان هناك دوام، في الليل أدعو وفي النهار ما أدعو، لا، كل حياته دعوة إلى الله، سواءً أكنتُ في العمل أو في البيت، أو في المسجد، أو في الشارع، أنا داعية إلى الله ﵎: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ [نوح:٥ - ٧] هل جربتَ أن تدعو إنسانًا فيضع أصبعيه في أُذنيه حتى لا يسمع؟ ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ [نوح:٧] يضعوا الثياب على وجوههم حتى لا يسمعون نوحًا: ﴿وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾ [نوح:٧] انظروا! عنادٌ وعتوٌّ وفجور؛ لكن نوح كان يدعو لله، لا يدعو لأجل السمعة، لأجل المال والدنانير، لأجل المناصب، بل يدعو لله جل وعلا، بعد تسعمائة وخمسين سنة قال الله جل وعلا: يا نوح! انتهى الأمر: ﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود:٣٦].
أغلقت أبواب التوبة، ما هناك أحد سيهتدي يا نوح.
ونوح ﵇ الآن يخاف على المؤمنين أن يضلوا، لأن باب الضلال لم يُقْفَل، فماذا قال نوح ﵇؟
قال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح:٢٦ - ٢٧].
يخاف على قومه أنهم إذا ولدوا فسيولدون كفارًا، وإذا بقوا لعلهم يضلوا، اسمع -يا عبد الله- في آخر حياته لما قال الله له: فاركب على السفينة، أتعرفون ماذا قال الله؟ ما حصيلة تسعمائة وخمسين سنة من الدعوة؟ أمثل ما في هذا المسجد ثلاثمائة أو أربعمائة رجل؟! لا.
قال الله جل وعلا بعد تسعمائة وخمسين سنة دعوة إلى الله: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود:٤٠] إنا لله وإنا إليه راجعون! تسعمائة وخمسون سنة؟! ما فَتَر، ما تَعِب، ما سئم، أتعرفون لِمَ؟ لأن الله يعلم أن الله خلقه لعبادته، والدعوة إلى الله من أشرف العبادة: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت:٣٣].
إذًا: أول أمر -يا عبد الله- الإخلاص.
أنت تدعو لله أم للذين كفروا؟! لِمَ الآن تغيرت يا عبد الله؟! لِمَ كنتَ في السابق خطيبًا داعيًا واعظًاَ، أما اليوم نجدك في المقاهي تستمع إلى الأغاني، وتغتاب المسلمين، وتلعب بعض الألعاب المحرمة؟! ما الذي جرى؟! ما الذي حدث؟! كنت في السابق تجول وتصول، تصدع بالحق، أما اليوم على مدرجات الملاعب تصفق وتزمجر، ما الذي حدث؟! هل كنت تدعو إلى الله حقًا أم كنتَ تدعو لغيره؟!

17 / 4