Lessons by Sheikh Ibrahim Al-Dweesh
دروس للشيخ إبراهيم الدويش
Genres
التجاوز عن الأخطاء الدنيوية
التجاوز عن الأخطاء في الحياة الزوجية، وغض البصر عنها، خاصةً إذا كانت هذه الأخطاء في الأمور الدنيوية.
فأقول: لا تنس يا أيها الأخ الحبيب! أنك تتعامل مع بشر: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ولا تنس أنك تتعامل مع امرأة، وكما قال ﷺ: (خلقت من ضلع أعوج) .
لا تكن شديد الملاحظة، لا تكن مرهف الحس فتجزع عند كل ملاحظة أو خطأ، انظر لنفسك دائمًا فأنت أيضًا تخطئ، لا تنس أن المرأة كثيرة الأعمال في البيت، ومع الأولاد والطعام والنظافة والملابس وغيرها، ولا شك أن كثرة الأعمال يحدث من خلالها كثير من الأخطاء.
لا تنس أن المرأة شديدة الغيرة، سريعة التأثر، احسب لكل هذه الأمور حسابها، واسمع لهذه الأمثلة التي تدل على الحلم والإنصاف: عائشة ﵂ وأرضاها، كما تُحدث أم سلمة أنها أي - أم سلمة - أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله ﷺ وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة الكساء ومعها فهر -أي: حجر ناعم صلب- ففلقت به الصحفة، فجمع النبي ﷺ بين فلقتي الصحفة وقال -يعني لأصحابه-: (كلوا، غارت أمكم، غارت أمكم! ثم أخذ الرسول ﷺ صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة لـ عائشة) .
والحديث أخرجه البخاري والنسائي واللفظ للنسائي.
فأقول: انظر لحسن خلقه ﷺ وإنصافه وحلمه، وانظر لحسن تصرفه وحله لهذا الموقف بطريقة مقنعة، معللًا لهذا الخطأ من عائشة ﵂ بقوله: (غارت أمكم، غارت أمكم!)؛ فهو يقدر نفسية عائشة اعتذارًا منه ﷺ لها، ولم يحمل عائشة نتيجة هذا الخطأ ونتيجة هذا العمل، ولم يذمها ﷺ؛ لأن أم سلمة هي التي جاءت إلى بيت عائشة تقدم للنبي ﷺ وأصحابه هذا الطعام، ولذلك قدر النبي ﷺ هذا الموقف، وتعامل معه بلطف وحكمة صلوات الله وسلامه عليه.
وقدر ما يجري عادةً بين الضرائر من الغيرة؛ لمعرفته ﷺ أنها مركبة في نفس المرأة، لم يؤدب النبي ﷺ عائشة وبين أنها غارت مع أنها كسرت الإناء، ومع أنها أيضًا تصرفت أمام أصحابه هذا التصرف، ولكن: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤] .
فانظر للحكمة، وانظر لحسن التعامل، وتصور لو أن هذا الموقف حصل معك، كيف سيكون حالك أيها الزوج؟! بل وربما لو حصل هذا الموقف بينك وبين زوجك مثلًا في المطبخ والرجال موجودون في المجلس، كيف ستكون نفسيتك؟ وكيف سيكون التصرف؟! إذًا: فالعفو والصفح إذا قصرت الزوجة، وشكرها والثناء عليها إن أحسنت، كل ذلك من شيم الرجال ومن محاسن الأخلاق.
وبعض الأزواج قد يختلق المشاكل وينفخ فيها، وقد تنتهي هذه المشاكل بحقيقة مرة وهي الطلاق!! واسمع لهذا الموقف: روي أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه ليشكو سوء خلق زوجته، فوقف على بابه ينتظر خروجه، فسمع هذا الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعًا وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين، فكيف حالي؟! وخرج عمر فرآه موليًا عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك أيها الرجل؟! فقال: يا أمير المؤمنين! جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك؛ فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟! قال عمر: يا أخي إني أحتملها لحقوق لها علي، إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام؛ فأنا أحتملها لذلك.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! وكذلك زوجتي.
قال عمر: فاحتملها يا أخي! فإنما هي مدة يسيرة.
يقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء:١٩] .
هكذا كانت حياتهم الزوجية، ذكر للحسنات، وغض للبصر عن الأخطاء والسيئات.
ويقال: إن بدويةً جلست تحادث زوجها، وتطرق الحديث إلى المستقبل كعادة الأزواج، فقالت: إنها ستجمع صوفًا وتغزله وتبيعه وتشتري به بكرًا، فقال زوجها: إذا اشتريته فسأكون أنا الذي أركبه، قالت: لا.
فألح زوجها، فرفضت، وأصر ولم ترجع هي، حتى غضب زوجها فطلقها.
فلا توجد هناك مشكلة، القضية قضية أماني في المستقبل، تقول: لو كان عندي صوف وأغزله ثم أبيعه ثم أشتري بكرًا، فتخاصما على من يركبه أولًا؛ فحصل الطلاق.
هذا المثل يوضح حقيقة الحال في كثير من الطلاق الذي يحصل بين الرجل والمرأة لأسباب تافهة، وعندما يقف أهل الخير أو القضاة أو غيرهم على بعض أسباب الطلاق، يجدون أن أسباب الطلاق تافهة لا تذكر، وهكذا كثير من المشكلات وهمية تافهة، تنتهي بنهاية الحياة الزوجية وللأسف! ويروى (أن عائشة قالت مرةً للنبي ﷺ وقد غضبت عليه: أنت الذي تزعم أنك نبي؟! فتبسم رسول ﷺ واحتمل ذلك حلمًا وكرمًا.
وما أروع هذا التوجيه النبوي الذي يجعل البيت جنةً! فإذا غضب أحد الزوجين وجب على الآخر الحلم، فحال الغضبان كحال السكران لا يدري ما يقول وما يفعل.
5 / 13