Layla Thaniya Cashara
الليلة الثانية عشرة: أو ما شئت!
Genres
تعتبر هذه المسرحية بحق من أمتع كوميديات شيكسبير؛ فهي حافلة بالعذوبة والجمال، وربما يكون بها من «طيب النفس» ما يجعلها غير ملائمة للكوميديا. فالهجاء فيها محدود، وتخلو تماما من مشاعر الحقد، وهي ترمي إلى إبراز ما يضحك لا ما يثير الاستهزاء؛ لأنها تجعلنا نضحك من حماقات البشر ولا نحتقرها، بل ولا تجعلنا نضمر أي سوء لها؛ فالعبقرية الكوميدية لدى شيكسبير تشبه النحلة في قدرتها على استخراج الحلاوة من الأعشاب الضارة أو السامة لا في قدرتها على اللدغ؛ إذ إن شيكسبير يقدم إلينا أشد ما يمتعنا من سمات الضعف والنقص في الشخصية «في صورة مبالغ فيها»، ولكنه يرسم هذه الصورة بأسلوب يكاد يدفع أصحابها إلى المشاركة في الضحك عليها، بدلا من الاستياء من هذه الصورة، ما دام يدبر من المواقف ما يجعل الشخصيات تبدو لنا في أبهى حلة ممكنة بدلا من دفعنا إلى احتقارها فيما يدبره الآخرون من مكائد وما يطلقونه من فكاهات مؤلمة عليها.
وإشارة هازلت إلى المبالغة، في العبارة المطبوعة بالبنط الأسود، تتفق مع ما ذكرته عن كوميديا الكاريكاتير («من قضايا الأدب الحديث»، ص268)؛ فالمبالغة في تضخيم عيب من العيوب في مسلك الإنسان أو طبعه؛ تؤدي إلى إبرازه بصورة تكفل تأكيد تناقضه مع ما نتوقعه من كل رجل سوي، أو مع المعايير السائدة عن السلوك الطبيعي أو السوي ومدى إفصاحه عن «سلامة» نفس صاحبه. ويشرح هازلت ما يقصده بذلك في الفقرة الطويلة نفسها من كتابه قائلا:
ولقد مر المجتمع بفترة كانت عيوب السلوك ونقائصه لدى الأفراد من غرس الطبيعة لا ثمرة لنمو العلم أو الدرس، فهم غير واعين بهذه المثالب، أو قل إنهم لا يأبهون لمعرفتها، ما داموا يرضون بها أهواءهم، وهنا نجد أنه ما دام المؤلف لا يحاول أن يفرض شيئا، فإن المشاهدين يستمتعون بمسايرة ميول الأشخاص الذين يضحكون عليهم دون أن يؤذوهم بفضح حمقهم. ولنا أن نطلق على هذه اللون اسم كوميديا الطبيعة، وهي الكوميديا التي نجدها بصفة عامة في شيكسبير؛ فإن روح كوميدياته تتفق في جوهرها مع روح سيرفانتس (ثيربانتيس) ونصادفها كثيرا في موليير، وإن كان هذا أشد انتظاما في مبالغاته من شيكسبير. فكوميديا شيكسبير ذات قالب رعوي وشاعري، والحماقة أصيلة في تربتها، وشجرتها تنمو وتترعرع فتزهر وتثمر. والمتعة التي يجدها الشاعر في تورية لفظية، أو في الفكاهة العجيبة التي يجدها في شخصية «منحطة»، لا تفسد بهجته وهو يصف صورة جميلة أو أسمى ألوان الحب . ففكاهات المهرج المقتسرة لا تفسد عذوبة شخصية فيولا؛ فالمنزل نفسه يتسع لمالفوليو والكونتيسة وماريا وسير توبي وسير أندرو إجيوتشيك. ولننظر مثلا إلى هذه الشخص الأخير الذي لا مثيل لانحطاطه في العقل أو الخلق، وانظر كيف يحول السير توبي مظاهر انحطاطه إلى صور جذابة ممتعة! إن شيكسبير يبث روح الرومانس والحماس بمقدار ما يرسم الأشخاص في صور طبيعية وصادقة، وأما في أسلوب الكوميديا المتصنعة فلا نجد إلا الزيف والبعد عن المصداقية. (من طبعة سيجنت للمسرحية ص133-135)
أي إن «الغباء الفطري» الذي يجده جونسون في سير أندرو ويرى أنه غير جدير بالمعالجة الساخرة في الكوميديا يراه هازلت نبتا طبيعيا جديرا بتأمله والاستمتاع به؛ وذلك عن طريق مجاورته للمشاعر الصادقة في قصة الحب الرومانسية، فالتجاور يؤكد التقابل ويبرز التناقض في صورة أخاذة، وما يراه جونسون بعيدا عن الواقع بمعنى أنه لا يقدم صورة صادقة للحياة، ينسبه هازلت إلى الشعر، أو ما يسميه الطابع الرعوي. وهذا دليل على تغير الحساسية النقدية في مطلع القرن التاسع عشر، وهو التغير الذي أدى إلى قبول كل ما في الطبيعة باعتباره جديرا بالتصديق ما دام «في الطبيعة»، ولضرب لهذا مثلا من شخصية مالفوليو، وشخصية المهرج. (5) مالفوليو والمهرج
سبق أن قلت في القسم السابق من المقدمة إن مالفوليو لم يصف بالبيوريتاني إلا بهدف إرضاء الجمهور الذي شاهد المسرحية أول ما كتبت، ولكن هذا الجانب من شخصيته قد دفع الكثيرين إلى إغفال ما فطن إليه المحدثون، وكان سباقا إلى ذلك الناقد الرومانسي تشارلز لام (
Charles Lamb ) في كتابه «مقالات إيليا» (وكان إيليا هو الاسم المستعار الذي يوقع به مقالاته النقدية في مجلة «لندن مجازين» في مطلع القرن التاسع عشر). فالنظرة الحديثة تقول إن مالفوليو ليس شخصية مضحكة بطبيعته؛ أي إنه ليس هزأة أو مثار سخرية في ذاته، ولكن أحلامه الخبيئة قد استغلها العابثون فجعلوه يعيش في وهم يثير الضحك والاستهزاء، وهي أحلام ليست موهومة تماما بل تقوم كما يقول النص على واقع صلب، فهو حاجب لصاحبة المنزل ورئيس الخدم، ومعنى هذا أنه يشعر بالمسئولية عن كل ما يحدث في المنزل، وتزمته الأخلاقي أو«بيوريتانيته» ليست في ذاتها مثيرة للسخرية أو الاستهزاء، فلقد كان من واجبه ضمان التزام جميع من في المنزل، زوارا ومقيمين، بالسلوك الحسن، والحفاظ على النظام والأمن في المنزل، وفقا لما تقوله كتب السلوك في القرن السادس عشر، حسبما جاء في دراسة م. سانت كلير بيرن (
M. St. Clare Byrne ) بعنوان «الخلفية الاجتماعية» في كتاب بعنوان:
A Companion to Shakespeare Studies, (eds.) H. Granville-Barker and G. H. Harrison, 1946, (second ed. 1985, p. 204).
وهذا يعني أنه يمارس حقه في تأنيب الصاخبين المعربدين فيما يسمى «مشهد المطبخ» (3 / 2). والواضح أيضا أنه لا يرتاح للمهرج الذي يكسب رزقه بالتلاعب اللفظي الفكاهي هنا وهناك، فمثل هذا التهريج يفسد جو الوقار السائد، خصوصا وأوليفيا تلبس ثوب الحداد حزنا على وفاة أخ لها، وتقول الناقدة بني جاي إن لنا أن نعتبره يمثل صورة الأب أو الاخ الذي يتوقع منه التحكم في سلوك أفراد الأسرة من النساء. وقد تصادف أن يصبح أقوى رجل في منزل تديره اسميا امرأة لا زوج لها ولا أب ولا أخ يستطيع أن ينهض بدور رب الأسرة والمتحكم في نفقاتها (ص11). ويؤكد هذه النظرة ما ورد في دراسة الأستاذة فاليري تروب (
Valerie Traub ) بعنوان «النوع والحياة الجنسية في شيكسبير»، المنشورة في كتاب عنوانه:
Unknown page