النشيد الثالث: تعذيبي وتعليلي
رأيت نفسي في الطريق وحيدا بعيدا عن الناس، غريب الوجه فيهم والقلب والجنان، فتأملت قليلا في حالي وأطرقت ثم بكيت.
بكيت طويلا؛ لأنني غريب هنا، وغريب هناك، غريب في وطني وغريب في سائر الأوطان، أشعر بأنني في حلم عميق تنبهني منه كبار الحوادث، فلا أوشك أن ألتفت حولي حتى أعود إلى وادي التيه الذي أهيم وأتألم فيه.
إن آلامي كتيار الكهرباء، إيجابية وسلبية؛ آلامي الإيجابية هي التي أشارك فيها غيري من البشر إلا أنها مضاعفة حادة، ما يخدش سواي يجرحني جرحا مؤلما، وما يجرح غيري يدميني، مت مرارا وبعثت، نعم، مت، انفصلت عن العالم مرة واحدة، وسكنت نفسي واكتفت بذاتها، ثم عدت إلى الحياة من جديد، لنفسي في كل حين سياحة تطوف فيها بعوالم غريبة وتزور فيها شقيقاتها ثم تعود، وبعض هذه السياحات قصير وبعضها طويل.
بعضها لا يدوم أكثر من لحظة وبعضها يطول أشهرا.
وما الموت إلا إحدى تلك السياحات!
أما آلامي السلبية فهي لي وحدي، وليس لها سبب معروف؛ تعذيب مستمر، وتعليل طويل، لا تمضي لحظة إلا ولي ألم جديد، أريد شيئا ولكن لا أدري ما أريد، لقد جئت إلى الحياة فوجدت بها قوما لا أعرفهم؛ فاتخذت لي ركنا ولزمت الصمت.
إنني أشعر بنقص فيما حولي، وسأبقى مصغيا مشرئبا متطلعا التماسا لصوت ألفته أذني ووجه تعودته عيني ونفس تفتقدها نفسي، ولكن صوت من؟ ووجه من؟ ونفس من؟!
أيتها الإلهة الجليلة القاسية، إنني ألتمس صوتك ووجهك ونفسك! إنني أشتهيك كما يشتهي العاشق معشوقته، إن الحب الأفلاطوني لا يكفيني، أريد حب أبيقور، أريد أن أتمتع بك، أريد أن أعبث بك وأقهرك كما عبثت بالألوف وقهرتهم!
إن بيني وبينك ثأرا قديما وجهادا طويلا! •••
Unknown page