ولما رجعت إلى البهو رأت أمامها «المجنون» واقفا في هدوء .. انزعجت مرتجفة .. ماذا جاء به؟ كيف اقتحم دارها؟ هل سمع حديثها للرجال؟ سألته: كيف دخلت داري بلا دعوة ولا استئذان؟
فقال بهدوئه: رأيت الرجال يتتابعون فثار شوقي للمعرفة.
صفقت بيديها منادية العبد، فأدرك ما تريد، فقال: لقد ذهب!
فسألته غاضبة: إلى أين؟ - دعينا منه وأكرمي ضيفك.
بدا مفروق الشعر مسترسله .. غزير اللحية، حافي القدمين، في جلباب أبيض فضفاض، ينبعث من طوقه شعر صدره .. أتوقعه في شراكها؟ أقبلت ولكن في فتور .. لأول مرة لا يحدث وجهها أثره .. إنه فتنة ولكن للعقلاء لا المجانين .. اقتربت من المائدة متثنية وقالت: إن كنت تريد طعاما فكل.
فقال بازدراء: لست متسولا.
فتساءلت مدافعة اليأس: إليك الشراب. - رأسي مليء بالدنان! - لا يبدو عليك سكر. - ما أنت إلا عمياء.
فقطبت مستوحشة، وسألته: ماذا تريد؟
فسألها بدوره: كيف تعيشين في قصر مهجور خال من وسائل الحياة كافة؟
فنظرت فيما حولها بقلب منقبض وتساءلت: ألا يعجبك هذا الجمال كله؟ - لا أرى إلا جدرانا تتردد بينها أنفاس الوباء القديم.
Unknown page