Al-Ṭabaqāt al-kubrā al-musammā bi-lawāqiḥ al-anwār fī Ṭabaqāt al-akhyār
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Publisher
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Publication Year
1315 هـ
كلمة الحق وكذلك الكذب للإصلاح بين الخلق وغير ذلك من المصالح المأذون فيها شرعا، ومتى لم تستعمل إلا لمحبوب طبعا مكروه شرعا كان ذلك هو اتباع الهوى بغير هدى، ومن أظلم ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، وكان رضي الله عنه يقول: ربما يظن الجاهل بنا إنما نتعاطى أخبار العباد لنستفيد، وغاب عنه أن العارف إنما وظيفته أن يعطي غيره، ويمنحه، ويفيد، وربما خطاب جلساء المكان المشرف ليسمع عقولا طارت من أقفاص أشباحها إلى رياض اختصاص رواحها جيعانة عطشانة هيمانة لهفانة حلفت بصدق هواها، وذلها لعزمناها أن لا تشرب إلا من عين خطابه شفاها، ولا تعتد إلا برؤية وجهه، وجاها فلما دخلت إلى حضرة مولاها، وشكت إليه ما بها أشكاها، وعطف عليها فأطعمها وأسقاها.
وكان يقول: العارف عين معروفه، والمحقق حقيقة ما حققه، وعلى قدر شهود الكمال، والتكميل يكون محبة الشاهد لمشهوده، وعلى قدر المحبة يكون تحقق المحب بمحبوبه، وعلى قدر التحقيق يكون ظهور المتحقق بحكم ما تحقق به عينا، وأثرا والله بكل شيء عليم، وكان رضي الله عنه يقول: قيل لي: اسمع كل الموجودات موجوداتي فسمني بما شئت، وصفني بما أردت، وكل من سميته أو وصفته فإنما سميتني، ووصفتني مع تجردي عن كل ذاتك بذاتي، وقيوميتي، فيه معيناتي، اسمع لا يدعو عبد ربه إلا كنت الداعي، ولا يرى عبد قصر أخيه كما يرى سهيل في جنته إلا كان المرئي قصري، ولا حف ملائكة بعرش إلا كان المحفوف عرشي، ولا تكلمت بكلمة إلهية إلا والله متكلم بها، ولا أتيت بأمر إلا والله آت به " أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " " النساء: 4 " كان يقول: ناطقي هذا لو قرى لناطق المحققين كالناطق المحمدي لنواطق النبيين فهو حقهم اليقين، ونورهم المبين، وكان يقول: من جذبه المحبوب فلا عائق، ومن دعاه داعي الغيوب فما على القلوب دروب، ومن شغل عن المطلوب، فآثم آه على المحبوب متى تنكشف الكروب والنفس غارقة في الذنوب أين من يتعانى، ويثوب لرب يفرح بعبد يتوب متى فرح بك المحبوب أنا لك منه فوق المرغوب، وكان يقول: الرب هو الموجود المصلح في كل مكان بحسبه، فلا رب إلا الله، وكان رضي الله عنه يشير لغلمانه إذا كتب أحد منهم لأخيه كتابا أن يجعل صدر الكتاب دائما بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم من عبد الله بن فلان إلى أخيه ابن فلان متعه الله بما من به عليه، وبلغه ما وجهه منه إليه أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وهو هو بما هو سيدي، وربي، وهو مولاي، وحسبي ليس إلا هو وصلى الله بذاته وسلم بأسمائه، وبارك بصفاته على أحمده، ومحمده إحاطه تنزلاته، وحيطة تجليلاته، وعلى آله وصحبه، ومحبيه عيون تعيناته، ومثل تمثلاته بمحامده، وسبحاته وكلمن عند الله، وإلى الله ترجع الأمور، وكان يقول: نفوس هي للمنقولات أقبل لا تأمن من انتقالها عما كانت معك عليه فإنها بالطبع منقولة، ونفوس هي للمنقولات أميل لا ترجو منها إطلاقا، وإن أظهرت لك الميل إليه يجد فإنها بالأصل معقولة، واختر لنفسك ما عدله الله، وزكاه مما سواه فهو لا يعبد إلا إياه، وهو بكل شيء عليم، وكان يقول: في حديث من جاء منكم يوم الجمعة فليغتسل غسل الجسم بالماء، وغسل القوي بالمسارعة لامتثال الأمر والعمل به، وغسل النفس بالتوبة، وغسل الهمة بالإخلاص، وغسل القلب بالتوحيد، وكان يقول: لأصحابه، أوصيكم بتوحيد المحبو كما أمر، ولزوم ذكره فإنه تعالى جليس من ذكره، ولن يعدم جليس الملك من ظفر. لازموا ذكر محبوبكم فذكره لا يقابل صعبا إلا سهله، ولا يقارن طلبا إلا حصله حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وقوموا الله قانتين ، واعلموا أنه لا رخصة في ترك وظيفة العشاء، والصبح في سفر، ولا حضر فتلك صدقة الله تعالى على صادقيه، فالبسوا حلل الإحسان بأمان من الرحمن وتناصحوا، ولا تفاضحوا وتسامحا ولا تشاححوا، ويسروا ولا تعسروا، ولا بشروا، ولا تنفروا وكونوا رحماء رحمانيين حكماء ربانيين.
وكان يقول: من سمع بأمرنا ذاق حقيقة الطاعة، ومن ذاق حقيقة الطاعة اتصل في ساعة، وكان يقول: المراقبة هي انصراف كليتك إلى وجه محبوبك، والتوجه من العبد
Page 36