Al-Ṭabaqāt al-kubrā al-musammā bi-lawāqiḥ al-anwār fī Ṭabaqāt al-akhyār
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Publisher
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Publication Year
1315 هـ
أهرمته عوارض الحجب، والغفلات صار سمندل نار إذا ألقي به فيها رجع شبابه فافهم، ولا تصح صفة المحبة لعبد، وهو بخيل أو عاص أو عنده عجلة بلا حلم، وكان يقول: ما سمي القلب قلبا إلا لأنه في العلم الأزلي حق بطن في قوته خلقه فانقلب في العلم الأبدي فصار خلقا بطن فيه حقه فهذا الحق في الأزل بيت عبده، وهذا الخلق في الأبد بيت عبده، وكما ظهر الخلق بالحق أزلا كذلك ظهر الحق بخلقه أبدا، وأطال في ذلك، وكان رضي الله عنه يقول: إذا كان للحق بعبده عناية جعل سبب شقاء الأشقياء من أسباب سعادته يذنب فينكسر، ويستحي ويتذلل ويذوق طعم الحجاب والعبد فيعرف قدر الوصل فيزداد شكرا فتزداد فضلا والمعكوس منكوس " إن الله يحكم ما يريد " " المائدة: 11 " فافهم، وكان يقول: في قوله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آيتنا فأعرض عنهم " " الأنعام: 68 " الآية فيه إشعارا بالإعراض عمن يخوض في حق الأولياء المكملين فهم من آيات الله تعالى الدالين عليه قال تعالى: " ولنجعلك آية للناس " فافهم، وكان يقول: لما كانت الوكالة مشعرة بعجز الموكل عما فوضه إلى، وكيله، وقدرة الوكيل عليه، ولو بوجه ما إذ لا بد من مانع له من مباشرة ما، وكل فيه سمي الرب، وكيلا لعبده، ولم يسم العبد، وكيلا لربه فافهم، وسئل هل لمريد الحق أن يتعاطى ما يشغله عن مراده فقال: لا فقيل فما الحكمة في إذن الشارع صلى الله عليه وسلم لأمته في التزويج، وفيه من الشغل ما لا يخفى فقال لأنه لما رأى النفوس البشرية مجبولة على المغلوبية لعوارضها المزاجية أذن لها فيما يفك عنها غلبة تلك العوارض عليها لئلا تشغلها عنه، وشرط عليها مساس الحاجة قبل التعامل ليكون الشغل في ذلك به لا عنه ألا ترى قوله: " ذلك أدنى أن لا تعولوا " " الأنعام: 6 " والعول الزيادة أي أعنى أن لا تميلوا عن مولاكم إلى ما دونه فمن تزوج بنية صالحة كان عابد الله تعالى بتزوجه مع أن في ضمنه عصمة له من الزنا الذي هو أعظم الحجب عن الله تعالى فافهم، وأما من تزوج لمحض الشهوة فقط فذلك الذي يشغله الزواج عن ربه، وكان يقول: مبدأ حقيقتك الروحانية أحق بك من مبدأ حقيقتك الجسمانية فإذا علمت هذا فقدم أمر ربك الذي هو مبدؤك وقال عنك " فنفخت فيه من روحي "، فهو تعالى أحق بك وأرحم وأفرح بك من أمك، وأبيك، ومن كل شيء دونه صاحب الشيء أحق بشيئه فافهم، وكان يقول: من كان خليفته مرشدك، ومربيك فهو بحقيقته ربك، وهاديك فاعرف يا مريد من هو مرادك، ويا تلميذ من هو أستاذك والزم تغنم فافهم، وكان يقول: علماء السوء أضر على الناس من إبليس لأن إبلس إذا، وسوس للمؤمن عرف المؤمن أنه عدو مضل مبين فإذا أطاع، وسواسه عرف أنه قد عصى فأخذ في التوبة من ذنبه، والاستغفار لربه، وعلماء السوء يلبسون الحق بالباطل، ويزيدون الإحكام على وفق الأغراض، والأهواء بزيغهم، وجدالهم فمن أطاعهم ضل سعيه، وهو يحسب أنه يحسن صنعا فاستعذ بالله منهم، واجتنبهم وكن مع العلماء الصادقين وكان يقول من المتفقهين تستفيد دعوى العلم بأحكام الدين ومن العلماء العاملين تتفيد العمل بأحكام الدين فانظر أي
الفائدتين أقرب قربى عند رب العالمين فاستمسك بها، وإذا قال: لك المتفقهون ماذا استفدت من الصوفية الصادقين فقل لهم استفدت منهم حسن العمل بما استفدت منكم من أقوال أحكام الدين، وكان يقول: نية القربات تصير العادات، والمباحات عبادات حتى إنك ترى الجبة الصوف على أهل الله تعالى أحسن من الحرير على غيرهم، وذلك لأنهم قصدوا بذلك وجه الله تعالى قال: تعالى: " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا " " الشورى: 23 " فافهم، وكان يقول: بينك، وبين أن لا تدرك أن تولى حب الدنيا ظهرك فافهم، كان يقول: خاتم الأولياء على قلب خاتم الأنبياء، ومن علامته أن يتحقق مواجيد الأولياء كلهم، ويختص عنهم بوجده كما حقق خاتم الأنبياء مواجيد الأنبياء كلهم، واختص عنهم بخصوصيته فافهم، وكان يقول: ربما كان الواحد صديقا قطبا من جهتين باعتبارين، ولا شك أن الصديقية في ضمن نظام القطبانية لأنها من مراتب دائرتها فافهم، وكان يقول: القطب مظهر نور الحق على الكمال الممكن لنوع الإنسان بحسب زمانه، ودائرته، والصديق مظهر نور القطب على الكمال الممكن لمثله، والنور ما به الكشف، والبيان، وتحقيق المعاني في الأعيان فافهم، وكان يقول مجالس الأولياء العارفين محاضرات روحانية لا يعبئون فيها إلا بفصاحة اللسان
Page 27