Al-Ṭabaqāt al-kubrā al-musammā bi-lawāqiḥ al-anwār fī Ṭabaqāt al-akhyār
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Publisher
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Publication Year
1315 هـ
طريق القوم، وما أعز من يطلبها وما أعز من يجدها، وما أعز من ثبت عليها بعد، وجودها، وكان يقول: إذا حضر المريد الصادق مجلس العارف سمع كلامه من جهاته الست، وكان رضي الله عنه يقول: لا يزال الوجود يمحو ما هو لوح قلبك والنور يكتب فيه.
وكان يقول: مراد العارف أن يخرج المريد من الضيق إلى السعة في عالم الغيب، وإن لم يشعر المريد بذلك، وكان يقول: العارفون يتكلمون مع الخلق، وهم بالحق مع الحق كما حكي عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه قال: لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى، والناس يظنون أني أتكلم معهم، وكان يقول: إن لله عبادا لا يستطيع مريد أن يدخل تحت حكمهم لما هم عليه من الأعمال، ولو أنهم حطوا عليه عبئا من أعبائهم لذاب كما يذوب الرصاص، وكان يقول: لا يوزن عمل عبد إلا إذا تعرى من أنوار التجليات، فإن لبس أنوار التجليات لم يسع عمله الميزان، وكان يقول: من الرجال من يتمثل له المقام ومنهم من يشاهد المقام، ومنهم من يذوق المقام، وكان يقول: من أنفق عليك من خزانة نفسه فلا تقبل منه شيئا، ومن أنفق عليك من خزانة عقله، فاقبل، أو اترك على حسب ما تلقح بنور الحكمة، ومن أنفق عليك من خزانة قلبه، فاقبل واستكثر، ولا ترد من ذلك شيئا، ومن أنفق عليك من خزانة غيبه، فذاك الكنز الأكبر الذي يتنافس فيه.
وكان رضي الله عنه يقول: داعي الدنيا يدعوك من حيث تشتهي، وتميل، وداعي الآخرة يدعوك من حيث تنفر، وتكره، وداعي الحقيقة يدعوك من حيث تغنى، ويذهب شاهدك، فلهذا تستجيب النفس سريعا للأول، وتستصعب لاستجابة الثاني وتمتنع من الاستجابة للثالث إلا إن حفت العناية، وكان يقول: لو أنطق الله لك صامت، وجودك، أو صامت الأكوان لقالوا لك مثل ما يقول: العارف، وكان يقول: والله ليس قصدي أن أذهب إلى الله بصحف أكتبها وإنما قصدي أن أذهب إليه بقلوب أجذبها وأميلها إلى ما عنده وأحببه إليها، وكان يقول: أعظم من الحجاب الحجاب عن الحجاب وكان يقول: لو صاح العارف ما وسع الكون صوته، وكان يقول: إن الله قضى أن لا يصل إلى العلم الحقيقي إلا من أخذ قلبه عن شهود الأكوان، وكان يقول: لو ذكر كون بكونه بالحقيقة لأحرقته أنوار التوحيد، ولتلاشى، وجوده حتى لا وجود له.
وكان يقول: من تكلم على الغيب من حيث هو هو لم يصح لأحد أن يأخذ عنه إلا القوي من الرجال، ومن تكلم على القلوب من حيث هي هي صح عنه أخذ المريدين وتدرب السالكين، وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول: لعباده العارفين بلغوا عني حجتي وأوضحوا لعبادي محجتي، وأنا أكتب لكم ما لا تبلغونه بأعمالكم، ولا بمحاسن أحوالكم، وكان يقول: وجودك هذا البشري قذى في عين بصيرتك، فلو زال عن عين بشريتك قذاها رأت ماءها، ومرعاها وأبصرت رشدها، وهداها وكان يقول: أهل كل زمان يحتجون بأصوات مختلفة، والمحق الصادق، والواصل منهم قليل، وكان يقول: حقيقة الطريق أن تكون مفلسا، وأن تكون طالبا للأعلى أبدا، ومتى ظننت أنك وصلت، فما وصلت، ومتى ظننت أنك ظفرت، فما ظفرت، ومتى ظننت أنك حصلت لك حال، فلا حال لك، وكان يقول: العارف يتلون في اليوم، والليلة مائة مرة، والعابد يقيم على حالة واحدة كذا، وكذا سنة، وذلك لأن العارف مائل إلى دائرة التصريف، والعابد مائل إلى دائرة التكليف، وكان يقول: علامة الفتح أن ترى الناس كلهم نياما، وكان يقول: لما صاح العارفون في الدنيا صاحت لهم الحقائق في الملأ الأعلى ولو أنهم سكنوا لم تسكت حقائقهم، وكان يقول: كل كون في الجنة، فهو غيب من غيوب الله عز وجل.
وكان يقول: أول هذا الأمر سماع، وتصديق، ثم فهم، وتدقيق، ثم شهود، وتحقيق، وكان رضي الله عنه يقول: في قول سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه طوبى لمن رآني، أو رأى من رآني، أو رأى من رأى من رآني: فالرائي على ثلاثة أقسام راء محجوب، وراء نافذ، وراء، وارث، فالرائي المحجوب لا عبرة به والرائي النافذ هو المقصود، والرائي الوارث يقول: مثل قوله: وكان يقول: كل كون يسبح يقول في تسبيحه: أنزه خالقي عن إدراكي له، وكان يقول: إذا نودي عليك في السماء ليعرفك أهل السماء ماذا عليك أن ينادي في الأرض أن يعرفوك، فكل من جهلك، فقد فاته حظه منك، فأضر بنفسه لا بك، وكان يقول: لو دخل الخاص طريق العام احترق إلا أن يقع التنزل بأمر من الله عز وجل، وكان يقول: من عبر عن التصوف فليس بصوفي، ومن شهد التصوف، فليس بصوفي إنما التصوف أن يغيب العبد عن التصوف، وكان يقول لأصحابه: من يبشرني بحضور قلبه أبشره بالوصول إلى أمر عظيم، وكان يقول:
Page 170