Lawāmiʿ al-Anwār al-Bahiyya wa-Sawāṭiʿ al-Asrār al-Athariyya li-sharḥ al-Durra al-Muḍiyya fī ʿaqd al-Firqa al-Marḍiyya
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Publisher
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edition
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
دمشق
حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، وَعُدْوَانٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، فَالَّذِي فِي حَقِّ اللَّهِ كَمَا إِذَا تَعَدَّى مَا أَبَاحَ لَهُ مِنَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فِي الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ سِوَاهُمَا كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: ٥ - ٧] وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَدَّى مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْهَا، كَوَطْئِهَا فِي حَيْضِهَا، أَوْ نِفَاسِهَا، أَوْ فِي إِحْرَامِ أَحَدِهِمَا، أَوْ صِيَامِهِ الْوَاجِبِ، وَكَذَا كُلُّ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ، فَتَعَدَّاهُ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَهُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، وَكَذَلِكَ الْعُدْوَانُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ تَجَاوُزُ الْقَدْرِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ مِنْهُ، فَمَتَى تَجَاوَزَ الْقَدْرَ الْمَحْدُودَ كَانَ مُعْتَدِيًا وَبَاغِيًا وَظَالِمًا، فَارْتِكَابُ الْإِثْمِ، وَالْعُدْوَانِ، وَالْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ، وَالْخَطَايَا، وَالذُّنُوبِ مِنَ الضَّلَالِ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَهُوَ أَشَدُّ الْمُحَرَّمَاتِ تَحْرِيمًا وَأَعْظَمُهَا إِثْمًا ; وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ، وَمِنْ مَرَاتِبِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ، وَالْأَدْيَانُ، وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا مُحَرَّمَةً وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] الْآيَاتِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إِذَا شَاءَ هِدَايَةَ عَبْدِهِ يَهْتَدِي، وَإِذَا أَرَادَ ضَلَالَهُ وَهَلَاكَهُ يَعْتَدِي، فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - الْمُوَفِّقُ لِمَنْ أَرَادَ لَهُ السَّعَادَةَ، وَالْخَاذِلُ مَنْ شَاءَ إِبْعَادَهُ، فَالتَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ مِنَ الْحَكِيمِ الْمَنَّانِ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: قَدْ أَجْمَعَ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ أَنَّ التَّوْفِيقَ أَنْ لَا يَكِلَكَ اللَّهُ إِلَى نَفْسِكَ، وَالْخِذْلَانُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، فَالْعِبَادُ مُتَقَلِّبُونَ بَيْنَ تَوْفِيقِهِ وَخِذْلَانِهِ، بَلِ الْعَبْدُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ يَنَالُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا، فَيُطِيعُهُ وَيُرْضِيهِ وَيَذْكُرُهُ وَيَشْكُرُهُ بِتَوْفِيقِهِ، ثُمَّ يَعْصِيهِ وَيُخَالِفُهُ وَيُسْخِطُهُ وَيَغْفُلُ عَنْهُ بِخِذْلَانِهِ لَهُ، فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ تَوْفِيقِهِ وَخِذْلَانِهِ، فَإِنْ وَفَّقَهُ فَبِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَإِنْ خَذَلَهُ فَبِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ - تَعَالَى - الْمَحْمُودُ فِي هَذَا وَهَذَا، لَهُ أَتَمُّ حَمْدٍ وَأَكْمَلُهُ، وَلَمْ يَمْنَعِ الْعَبْدَ شَيْئًا هُوَ لَهُ، وَإِنَّمَا مَنْعَهُ مَا هُوَ مُجَرَّدُ فَضْلِهِ وَعَطَائِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَضَعُهُ وَأَيْنَ يَجْعَلُهُ. فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ هَذَا الْمَقَامَ وَشَهِدَهُ وَأَعْطَاهُ حَقَّهُ؛ عَلِمَ ضَرُورَتَهُ، وَفَاقَتَهُ إِلَى التَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ فِي كُلِّ نَفَسٍ وَلَحْظَةٍ وَطَرْفَةِ عَيْنٍ، وَعَلِمَ أَنَّ تَوْحِيدَهُ وَإِيمَانَهُ مُمْسَكٌ
1 / 336