276

Lawāmiʿ al-Anwār al-Bahiyya wa-Sawāṭiʿ al-Asrār al-Athariyya li-sharḥ al-Durra al-Muḍiyya fī ʿaqd al-Firqa al-Marḍiyya

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Publisher

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

دمشق

أَحْمَدَ الْعَبْدَوِيِّ الْحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ طَاهِرَ بْنَ أَحْمَدَ السَّرْخَسِيَّ يَقُولُ: لَمَّا قَرُبَ حُضُورُ أَجْلِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي دَارِي بِبَغْدَادَ، دَعَانِي فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: اشْهَدْ عَلَيَّ أَنِّي لَا أُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ اخْتِلَافُ عِبَارَاتٍ.
انْتَهَى بِلَفْظِهِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ، وَحُسْنَ الْخَاتِمَةِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الْمَخْلُوقَةِ]
[كل شيء غير ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته مخلوق]
«الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الْمَخْلُوقَةِ»
«وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ الذَّاتِ ... وَغَيْرُ مَا الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ»
«مَخْلُوقَةٌ لِرَبِّنَا مِنَ الْعَدَمِ ... وَضَلَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالْقِدَمِ»
«وَرَبُّنَا يَخْلُقُ بِاخْتِيَارٍ ... مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا اضْطِرَارٍ»
«لَكِنَّهُ لَا يَخْلُقُ الْخَلْقَ سُدًى ... كَمَا أَتَى فِي النَّصِّ فَاتْبَعِ الْهُدَى»
«وَسَائِرُ» أَيْ بَقِيَّةُ «الْأَشْيَاءِ» جَمْعُ شَيْءٍ «غَيْرُ الذَّاتِ» الْمُقَدَّسَةِ «وَغَيْرُ مَا» زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ «الْأَسْمَاءُ» أَيْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ كَالذَّاتِ «وَ» وَغَيْرُ «الصِّفَاتِ» الذَّاتِيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ، فَكُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَأَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا «مَخْلُوقَةٌ لِرَبِّنَا» ﵎ «مِنَ الْعَدَمِ»، مَسْبُوقَةٌ بِهِ، وَتَبَيَّنَ لَكَ حِكْمَةُ تَعْبِيرِ النَّاظِمِ بِسَائِرٍ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَقِيَّةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالسَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَ جَمَاعَاتٌ، أَوْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَحْوَصِ:
فَجَلَّتَهَا لَنَا لُبَابَةٌ لَمَّا ... وَقَذَ النَّوْمُ سَائِرَ الْحُرَّاسِ.
قَالَ: وَضَافَ أَعْرَابِيٌّ قَوْمًا فَأَمَرُوا الْجَارِيَةَ بِتَطْيِيبِهِ، فَقَالَ:
بَطْنِي عِطْرِي ... وَسَائِرِي ذَرِّي.
فَكُلُّ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ، وَهَذَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ ﷾ خَالِقُ الْمُمْكِنَاتِ الْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِالْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ وَالْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَهَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْمُرْسَلَةُ وَعَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا بَلْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ وَأَكَابِرُهُمْ

1 / 276