213

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Publisher

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

دمشق

عَلَى كُلِّ حَالٍّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧]، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا سَيَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِهَا عِنْدَ ذِكْرِ يَدَيْهِ تَعَالَى.
وَسَوَاءٌ قُدِّرَ أَنَّ الْعَرْشَ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَإِحَاطَةِ الْكُرَةِ بِمَا فِيهَا، أَوْ قِيلَ إِنَّهُ فَوْقَهَا وَلَيْسَ مُحِيطًا بِهَا كَوَجْهِ الْأَرْضِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَوْفِهَا وَكَالْقُبَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَعَلَى التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْخَالِقُ ﷾ فَوْقَهُ، وَالْعَبْدُ فِي تَوَجُّهِهِ إِلَى اللَّهِ يَقْصِدُ الْعُلُوَّ دُونَ التَّحْتِ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعَرْشِ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ﷾ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَخْلُوقَاتُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ دَاخِلِ الْفَلَكِ، وَأَنَّهَا أَصْغَرُ عِنْدَهُ مِنِ الْحِمَّصَةِ أَوِ الْفُلْفُلَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي يَدِ أَحَدِنَا، فَإِذَا كَانَتِ الْحِمَّصَةُ أَوِ الْفُلْفُلَةُ بَلِ الدِّرْهَمُ، وَالدِّينَارُ أَوِ الْكُرَةُ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي يَدِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَحْتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، هَلْ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ إِذَا اسْتَشْعَرَ عُلُوَّ الْإِنْسَانِ عَلَى ذَلِكَ وَإِحَاطَتِهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ كَالْفَلَكِ فَاللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَظُنُّهُ الَّذِينَ لَمْ يَقْدِرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[علم الخلق قاصر عن الإحاطة بالله تعالى]
«فَلَا يُحِيطُ عِلْمُنَا بِذَاتِهِ ... كَذَاكَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ صِفَاتِهِ»
«فَكُلُّ مَا قَدْ جَاءَ فِي الدَّلِيلِ ... فَثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ تَمْثِيلٍ»
وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ ﷾ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالَةِ، وَكَانَ النَّاظِمُ مُسْتَشْعِرًا بِهَذَا، قَالَ: «فَلَا يُحِيطُ عِلْمُنَا» مَعْشَرَ الْخَلْقِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَلَوْ بَذَلْنَا جُهْدَنَا فِي تَحْصِيلِ مَعْرِفَتِهِ، وَأَنْفَذْنَا أَعْمَارَنَا فِي الدَّأْبِ فِي التَّدْقِيقِ، وَالْإِمْعَانِ فِي النَّظَرِ فِيمَا يُوصِلُ إِلَى إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَ عِلْمُنَا، وَلَا أَنْ تُدْرِكَ عُقُولُنَا الْعِلْمَ «بِذَاتِهِ» الْمُقَدَّسَةِ وَحَقِيقَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي التَّدْمُرِيَّةِ: وَمِثْلُ هَذَا - يَعْنِي عَدَمَ الْعِلْمِ بِحَقَائِقِ الصِّفَاتِ وَالذَّاتِ - يُوجَدُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ يَنْفُونَ عِلْمَ الْعِبَادِ بِكَيْفِيَّةِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ،

1 / 213