Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Publisher
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
دمشق
Genres
Theology
وَإِذَا كَانَ رُوحُ الْقُدُسِ: نَزَلَ بِهِ مِنَ اللَّهِ عَلِمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ﵎ لَمْ يُؤَلِّفْهُ رُوحُ الْقُدُسِ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ سَمِعَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنَ اللَّهِ ﷾، وَنَزَلَ بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: ١١٤] .
وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِالضَّرُورَةِ وَالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ الْكُلَّابِيَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ، وَكِتَابِ اللَّهِ، فَيَقُولُونَ كَلَامُهُ هُوَ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَكِتَابُهُ الْمَنْظُومُ الْمُؤَلَّفُ مِنَ الْحُرُوفِ الْعَرَبِيُّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَالْقُرْآنُ يُرَادُ بِهِ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً.
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى قُرْآنًا وَكِتَابًا وَكَلَامًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ١]، وَقَالَ ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ١]، وَقَالَ ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف: ٢٩] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ [الأحقاف: ٣٠] فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي سَمِعُوهُ هُوَ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْكِتَابُ، وَقَالَ ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ - فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ - إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [الواقعة: ٢١ - ٧٨] .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤] يَتَنَاوَلُ نُزُولَ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ إِخْبَارٌ مُسْتَشْهِدٌ بِهِمْ لَا مُكَذِّبَ لَهُمْ.
وَقَالَ: إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُمْ يَظُنُّونَهُ أَوْ يَقُولُونَهُ، وَالْعِلْمُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا مُطَابِقًا لِلْمَعْلُومِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ، وَالظَّنُّ الَّذِي يَنْقَسِمُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَعَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنَ الْهَوَاءِ، وَلَا مِنَ اللَّوْحِ، وَلَا مَنْ جِسْمٍ آخَرَ، وَلَا مِنْ جِبْرِيلَ، وَلَا مِنْ مُحَمَّدٍ ﵉ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا، فَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ خَيْرًا مِنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١] أُنْزِلَ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ أَنْزَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا بِحَسَبِ الْحَوَادِثِ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ نُزُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ - فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١ - ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى
1 / 167