151

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Publisher

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

دمشق

بِالذَّاتِ وَتَقَدُّمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، وَسَوَاءٌ فَسَّرُوا الْمُوجِبَ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْمُوجِبِ، أَوْ بِذَاتٍ مَوْصُوفَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْمُوجِبِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْمُبْدِعِ مَلْزُومًا لِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ تَأَخُّرِ بَعْضِ ذَلِكَ عَنِ الْأَزَلِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. . . إِلَى أَنْ قَالَ: فَالصِّفَةُ الَّتِي يَصْلُحُ بِهَا الْفِعْلُ هِيَ الْقُدْرَةُ، أَوْ يُقَالُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبًا بِذَاتِهِ بَلْ بِصِفَةٍ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، فَإِنَّهُ إِمَّا مُوجَبٌ بِالذَّاتِ، وَإِمَّا فَاعِلٌ مُخْتَارٌ بِالِاخْتِيَارِ، وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا يَفْعَلُ بِالْقُدْرَةِ، إِذِ الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، فَأَمَّا مَنْ يَسْتَلْزِمُهُ الْمَفْعُولُ بِدُونِ إِرَادَتِهِ، فَهَذَا لَيْسَ بِقَادِرٍ، بَلْ مَلْزُومٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَسْتَلْزِمُهُ الْحَرَكَاتُ الطَّبِيعِيَّةُ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فِعْلِهَا وَلَا تَرْكِهَا، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْفَاعِلِ قَادِرًا عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ. إِلَى أَنْ قَالَ: صِفَةُ الْحَيِّ تُسَمَّى قُدْرَةً، وَإِذَا كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهَا سُمِّيَتْ قُوَّةً، قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥]، وَقَدْ ذُكِرَ قَوْلُهُ: ﴿أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَالَ - تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨]، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ، فَالْقُوَى الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ هِيَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ. قَالَ: وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَقُدْرَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، وَلَفْظُ الِاخْتِيَارِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ يَتَضَمَّنُ تَفْضِيلَ الْمُخْتَارِ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨]، ثُمَّ قَالَ: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨]، فَذَكَرَ الِاخْتِيَارَ بَعْدَ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ صَارَ لَفْظُ الِاخْتِيَارِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْإِرَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَّ لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَرَاهُ خَيْرًا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَغْلَطُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ وَجُمْهُورَ الْأُمَّةِ يُثْبِتُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوًى وَقُدْرَةً تَصْدُرُ الْحَوَادِثُ عَنْهَا، فَإِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ أَبَيْنِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُمْ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَعَارِفِ وَأَجْلَاهَا، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي فِطَرِهِمْ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ إِلَّا قَادِرًا، وَأَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةُ كَمَالٍ، فَإِذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ قَوِيًّا قَادِرًا

1 / 151