وقبل عبد العزيز باشا رغم ضعف صحته، وأصبح رئيسا للحزب، وانتخب هيكل باشا نائبا لرئيس الحزب.
حين أصبح عبد العزيز باشا فهمي رئيسا للحزب، فإن أول ما قاله لأبي أنه لم يقبل رئاسة الحزب إلا ليرفع الظلم الذي أوقعه الحزب على أبي مرتئيا أن بقاءه بعيدا عن الوزارة طوال هذه المدة يدل على أن الحزب لا يعرف كيف يقدر رجاله، وكان عبد العزيز باشا يحب أبي غاية الحب، وأغلب الأمر أن ذلك الحب يرجع إلى تقارب أخلاق الرجلين تقاربا لصيقا، فقد كان كلاهما لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يمنعه شيء عن محاربة الظلم وعن الانتصار للعدالة والشرف مهما تكلفا في سبيل ذلك من خسائر مادية كانت هذه الخسائر أم كانت أدبية، وكان عبد العزيز يضع يده على صدر أبي ويمررها عليه وهو يقول: هذا الصدر كله إخلاص، كله إخلاص. ويكررها.
وكنت أزور عبد العزيز باشا فهمي في رفقة صديق عمري عبد الفتاح الشناوي فكان يقول: «مفيش زي أبوك في كل السياسيين دول، مفيش زي أبوك.»
وأهداني مرة كتابه عن الحروف اللاتينية فكتب الإهداء: «لسيدي ثروت بك أباظة»، وكدت أدوخ من هول الكلمة الصادرة عن هذا الجبل الشامخ من العلم والسياسة والقانون والوطنية، وكنت ذاهبا في ذلك اليوم إلى عمي عزيز باشا أباظة، وكانت معي تجارب روايته العباسة، فلم أترك حقيبتي في السيارة، وإنما صحبتها معي، وقلت لعمي عزيز: تصور أن عبد العزيز باشا فهمي كتب لي إهداء يقول فيه كذا!
ولم يصدق عزيز باشا، وقال لي: الفضاء واسع.
وهي عبارة تقال حين يسمع الإنسان شيئا يتصور أنه «فشر»، ففتحت حقيبتي وأنا أقول: ولماذا؟ لا واسع ولا ضيق، هاك الكتاب.
وقرأ عزيز باشا الإهداء وبدا عليه الذهول الذي أصابني.
نعود إلى عبد العزيز باشا فهمي وأبي والوزارة، فوجئ أبي بعبد العزيز باشا فهمي يقول له: الرجل حسين سري يعتمد على حزب الأحرار وحده في المجلس ولا يمثل الحزب إلا خمسة وزراء فقط.
وبجرأة عبد العزيز باشا فهمي المعروفة قابل حسين سري، وأصر أن يمثل الأحرار الدستوريين في الوزارة سبعة وزراء، وتم التعديل فعلا في 26 يونيو سنة 1941م، ودخل أبي وزيرا للشئون الاجتماعية ورشوان محفوظ وزيرا للزراعة.
واستقبل تعيين أبي وزيرا برنة فرح كبرى في الشرقية وفي مصر جميعها، وأذكر أن مصورا فوتوغرافيا كان في شارع من أهم شوارع القاهرة وضع صورة أبي ورشوان باشا في معرض صوره الذي يطل على الشارع وكتب تحتها بخط أنيق: الوزيران الجديدان.
Unknown page