قالوا: وهل جهلنا مقدرتك وإمكانك، حتى تعرفنا يا كلكاس مكانك؟ إنك لأعظمنا إقداما وبسالة، وأفصحنا منطقا ومقالة، وأصلحنا لبوسا لكل حالة، أليس هذا الزي نفع من مواليد رأيك المتبع، وتدبير فكرك الذي يسع من الحيل ما يسع؟
ثم إن الزورق استمر سائرا دائبا على بغيته، رائدا حتى ذهب معظم النهار، وتحفزت الشمس لتحتجب عن الأبصار، فالتفت بيروس عندئذ إلى أصحابه، وقال: لم يبق يا إخوان إلا أن ننحدر جهة الشاطئ فنسير بحيث نحاذيه.
قالوا: أوتدري أننا دنونا بعد؟
قال: نعم؟
قالوا: إذن، فإنا فاعلون!
ثم وجهوا السواعد بالمجاذيف جهة البر وظلوا يتقدمون، وبيروس يرشدهم أين يتوجهون، وقد غلب الغرام الفتى على أمره، وحل الإلمام عقدة صبره، فأجرى من الدمع ما لم يزد أصحابه علما بسره، واندفع ينشد من أعماق صدره:
يا ابنة العم رويدا
كدت للمفتون كيدا
أنت للعين سواد
أنت للقلب سويدا
Unknown page