266

al-Mawsūʿa al-Fiqhiyya al-Kuwaytiyya

الموسوعة الفقهية الكويتية

Edition

من ١٤٠٤

Publication Year

١٤٢٧ هـ

Genres

الضَّرَرِ، وَلَهُ وِلاَيَةُ ذَلِكَ. وَقَالُوا: إِنَّ إِنْكَارَ الْفَسْخِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ خُرُوجٌ عَنِ الشَّرْعِ وَالْعَقْل؛ لأَِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ اشْتَكَى ضِرْسَهُ، فَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَهَا، فَسَكَنَ الْوَجَعُ، يُجْبَرُ عَلَى الْقَلْعِ. وَهَذَا قَبِيحٌ شَرْعًا وَعَقْلًا (١) .
وَيَقْرُبُ مِنْهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَصْل جَوَازِ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، لاَ فِيمَا تَوَسَّعَ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ، إِذْ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْعُذْرُ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ مَنْفَعَتِهَا أَوْ أَمْرِ ظَالِمٍ لاَ تَنَالُهُ الأَْحْكَامُ بِإِغْلاَقِ الْحَوَانِيتِ الْمُكْتَرَاةِ، أَوْ حَمْل ظِئْرٍ - لأَِنَّ لَبَنَ الْحَامِل يَضُرُّ الرَّضِيعَ - أَوْ مَرَضِهَا الَّذِي لاَ تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ، حُقَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ أَوِ الْبَقَاءُ عَلَى الإِْجَارَةِ. (٢)
٦٥ - وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا أَشَرْنَا لاَ يَرَوْنَ فَسْخَ الإِْجَارَةِ بِالأَْعْذَارِ؛ لأَِنَّ الإِْجَارَةَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْعِ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا، إِذِ الْعَقْدُ انْعَقَدَ بِاتِّفَاقِهِمَا، فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمَا. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُ الإِْجَارَةِ بِالأَْعْذَارِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى عَيْنٍ أَمْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، مَا دَامَ الْعُذْرُ لاَ يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَتَعَذُّرُ وُقُودِ الْحَمَّامِ، أَوْ تَعَذُّرُ سَفَرِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ مَرَضِهِ، لاَ يُخَوِّلُهُ الْحَقَّ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، وَلاَ حَطِّ شَيْءٍ مِنَ الأُْجْرَةِ. (٣)
وَقَال الأَْثْرَمُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: قُلْتُ لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ اكْتَرَى بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَال لَهُ: فَاسِخْنِي. قَال: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. قُلْتُ: فَإِنْ مَرِضَ

(١) البدائع ٤ / ١٩٧، الهداية ٣ / ٢٥٠، والفتاوى الهندية ٤ / ٤٥٨، والمبسوط ١٦ / ٢
(٢) الشرح الصغير ٤ / ٥١ ط دار المعارف.
(٣) منهاج الطالبين وحاشية القليوبي ٣ / ٨١، والمهذب ١ / ٤٠٥
الْمُسْتَكْرِي بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَجْعَل لَهُ فَسْخًا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ عَقْدٌ لاَزِمٌ. وَإِنْ فَسَخَهُ لَمْ يَسْقُطِ الْعِوَضُ. (١)
٦٦ - وَالْعُذْرُ كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ، نَحْوُ أَنْ يُفْلِسَ فَيَقُومَ مِنَ السُّوقِ، أَوْ يُرِيدَ سَفَرًا، أَوْ يَنْتَقِل مِنَ الْحِرْفَةِ إِلَى الزِّرَاعَةِ، أَوْ مِنَ الزِّرَاعَةِ إِلَى التِّجَارَةِ أَوْ يَنْتَقِل مِنْ حِرْفَةٍ إِلَى حِرْفَةٍ؛ لأَِنَّ الْمُفْلِسَ لاَ يَنْتَفِعُ بِالْحَانُوتِ، وَفِي إِلْزَامِهِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَفِي إِبْقَاءِ الْعَقْدِ مَعَ ضَرُورَةِ خُرُوجِهِ لِلسَّفَرِ ضَرَرٌ بِهِ.
فَلَوِ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ رَجُلًا لِيَقْصِرَ لَهُ ثِيَابًا - أَيْ يُبَيِّضَهَا - أَوْ لِيَقْطَعَهَا، أَوْ لِيَخِيطَهَا، أَوْ يَهْدِمَ دَارًا لَهُ، أَوْ يَقْطَعَ شَجَرًا لَهُ، أَوْ لِيَقْلَعَ ضِرْسًا. ثُمَّ بَدَا لَهُ أَلاَّ يَفْعَل، فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الإِْجَارَةَ؛ لأَِنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِمَصْلَحَةٍ يَأْمُلُهَا، فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ لاَ مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ صَارَ الْفِعْل ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ، فَكَانَ الاِمْتِنَاعُ مِنَ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ. (٢)
٦٧ - وَقَدْ يَكُونُ الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ نَحْوُ أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لاَ يَجِدُ قَضَاءَهُ إِلاَّ مِنْ ثَمَنِ الْمُسْتَأْجَرِ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - مِنَ الإِْبِل وَالْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيَحِقُّ لَهُ فَسْخُ الإِْجَارَةِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَابِتًا قَبْل عَقْدِ الإِْجَارَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ ثَابِتًا بَعْدَ الإِْجَارَةِ بِالإِْقْرَارِ فَلاَ يَحِقُّ لَهُ الْفَسْخُ بِهِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ؛ لأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا الإِْقْرَارِ، وَيَحِقُّ لَهُ عِنْدَ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا، وَبَقَاءُ الإِْجَارَةِ مَعَ لُحُوقِ الدَّيْنِ الْفَادِحِ الْعَاجِل إِضْرَارٌ بِالْمُؤَجِّرِ لأَِنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ. وَلاَ يَجُوزُ الْجَبْرُ عَلَى تَحَمُّل ضَرَرٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ.
(٣)

(١) المغني ٦ / ٢١
(٢) الفتاوى الهندية ٤ / ٤٥٨، ٤٥٩، ٤٦٠، والبدائع ٤ / ١٩٨
(٣) البدائع ٤ / ١٩٨

1 / 272