21
فلا الحامل أطاق فحمل، ولا المعين استطاع فأعان، وإنما هما كحماري العبادي الذي قيل له: أي حماريك شر؟ فقال: هذا ثم هذا.
وهكذا يعين الغرور على طلب الدنيا، ويزين للمغرور فلا تراه أبدا إلا على زينة من أمره،
22
حتى تذهب الحياة في باطل كالحق أو حق كالباطل، فإذا حسم الموت عنه مادة غروره وجاءه باليقين الذي لا مرية فيه، قال: ويحي! لو رجعت لعلي أعمل صالحا فيما تركت! وآه لو عرفت حقيقة الحياة قبل الموت، أو عرفت حقيقة الموت وأنا بعد في الحياة!
أيها المغرور! ما أراك إلا دائبا في طلب الحياة حتى تفقدها من شدة الطلب، فلا تكاد تستوضح ما هي؟ فإياك وإياها، لا تأخذ معنى الحياة من نفسك؛ وإن لنفسك أغراضا حية تريد أن تكون هي الحياة، ولا من الناس؛ إن فيهم أغراض نفسك، ولا من مدة عمرك؛ فإنها لا تبلغ طرفة واحدة من عين التاريخ.
ولكن أعد نظرا على ما وراءك، وخذ معنى الحياة من ستة آلاف سنة عرفت من تاريخ الحياة نفسها،
23
ثم من عمر الأرض كله، ثم من تاريخ الموت المجهول أوله وآخره؛ خذ معنى الحياة من هذه الأفواه الصامتة التي لا تكذب لأنها تحفظ الحقيقة الإنسانية، من هذه القبور التي تملأ الرحب، من هذه الهاوية التي ينصب فيها فراغ الحياة دائما دائما؛ لأن تحتها مجرى التيار المتدفع من النهاية الأرضية المعروفة إلى الأبد الذي لا تعرف له نهاية. خذها من هذه الكلمة التي وضعتها السماء للأرض، هذه الكلمة الأزلية التي تحقق الإخاء والمساواة في الناس جميعا بلا شذوذ ولا تأويل، الكلمة التي يكون القبر زاوية في معناها، كلمة الله - عز وجل - في قوله تعالى:
كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك .
Unknown page