6
ألا حين يموت له الميت العزيز، فلا يكون في الدنيا وهو في ذاكرته بمعانيه وصورته لا يبرحها.
وليس ينزل الحي من أمواته في القبر إلا من يقول له: إنني منتظرك إلى ميعاد! أما لو عقلها الأحياء لعرفوا أن الموت هو وحده ناموس ارتقاء الروح ما بقيت في الدنيا، ولكن ضجيج الشهوات - على أنه لا يعلو رنة كأس، ولا يغطي همسة دينار، ولا يخفي ضحكة امرأة - يطمس على الكلمة الأزلية التي فيها كل قوة الصدق وكل صراحة الحقيقة، فإذا هي خافتة لا تكاد تثبت، غامضة لا تكاد تبين!
أذلك سحر الحياة فينا، أم سوء استعدادنا لها، أم شراهة الجسم من لذة الحياة لابتلاع كل ما في الكون منها، أم حماقة الكأس التي تريد أن تغترف البحر لتكون له شاطئين من الزجاج، أم بلاهة الإنسان الذي يريد أن يطوي فيه معنى الخالق ليكون إله نفسه!
ويحه من غريق أحمق يرى الشاطئ على بعد منه، فيتمكث في اللجة مرتقبا أن يسبح الشاطئ إليه! ويثبت الشاطئ ويدع الأحمق تذوب ملحة روحه في الماء!
اسبح ويحك وانج، فإن روح الأرض في ذراعيك، وكل ضربة منهما ثمن ذرة من هذا الشاطئ، كذلك ساحل الخلد؛ يريد من الإنسان الذي هو إنسان أن يبلغ إليه مجاهدا لا مستريحا، عاملا لا وادعا، يلهث تعبا لا ضحكا، ويشرق بأنفاسه لا بكأسه، وينضح من عرق جهاده لا من عطر لذاته.
إن روح النعيم الأرضي في ذراعي الغريق الذي يجاهد لينجو، وروح النعيم الأزلي في ذراعي الحي الذي يجاهد ليفوز!
هوامش
الفصل الثالث
الفقر والفقير
Unknown page