Book of Baghdad
كتاب بغداد
Investigator
السيد عزت العطار الحسيني
Publisher
مكتبة الخانجي
Edition Number
الثالثة
Publication Year
1423 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
History
(سيرة الْمَأْمُون بِبَغْدَاد وطرائف من أخباره وأخبار أَصْحَابه، وقواده، وَكتابه، وحجابه)
قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْأنمَاطِي: لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد وقربها قراره وَأمر أَن يدْخل عَلَيْهِ من الْفُقَهَاء، والمتكلمين، وَأهل الْعلم جمَاعَة يختارهم لمجالسته ومحادثته وَكَانَ يقْعد فِي صدر نَهَاره على لبود فِي الشتَاء، وعَلى حصر فِي الصَّيف لَيْسَ مَعَهُمَا شَيْء من سَائِر الْفرش، وَيقْعد للمظالم فِي كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ لَا يمْتَنع مِنْهُ أحد. قَالَ: واختير لَهُ من الْفُقَهَاء لمجالسته مائَة رجل فَمَا زَالَ يختارهم طبقَة بعد طبقَة حَتَّى حصل مِنْهُم عشرَة كَانَ أَحْمد بن أبي دَاوُد أحدهم، وَبشر المريسي. قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْأنمَاطِي وَكنت أحدهم. قَالَ: فتغدينا يَوْمًا عِنْده فَظَنَنْت أَنه وضع على الْمَائِدَة أَكثر من ثَلَاثمِائَة لون فَكلما وضع لون نظر الْمَأْمُون إِلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا يصلح لكذا وَهَذَا نَافِع لكذا. فَمن كَانَ مِنْكُم صَاحب بلغم ورطوبة فليجتنب هَذَا. وَمن كَانَ صَاحب صفراء فَليَأْكُل من هَذَا، وَمن غلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء فَليَأْكُل من هَذَا، وَمن أحب الزِّيَادَة فِي لَحْمه فَليَأْكُل من هَذَا /، وَمن كَانَ قَصده قلَّة الْغذَاء فليقتصر على هَذَا قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالَت تِلْكَ حَاله فِي كل لون يقوم حَتَّى رفعت الموائد. قَالَ: فَقَالَ لَهُ يحيى بن اكثم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن خضنا فِي الطِّبّ كنت جالينوس فِي مَعْرفَته، أَو فِي النُّجُوم كنت هرمس فِي حسابه، أَو فِي الْفِقْه كنت على بن أبي طَالب صلوَات اللَّهِ عَلَيْهِ فِي علمه، أَو ذكر السخاء فَأَنت فَوق حَاتِم فِي جوده، أَو ذكرنَا صدق الحَدِيث كنت أَبَا ذَر فِي صدق لهجته، أَو الْكَرم كنت كَعْب بن مامة فِي إيثاره على نَفسه قَالَ: فسر بذلك الْكَلَام. وَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد: إِن الْإِنْسَان إِنَّمَا فضل على غَيره من الْهَوَام بِفِعْلِهِ، وعقله، وتمييزه. وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن لحم أطيب من لحم. وَلَا دم أطيب من دم.
1 / 36