وقد جاءت الأديان من نصرانية وإسلام فأوجبت التضحية عند الحاجة، وحببت إلى الناس الإيثار والإحسان، فكان في انتشار هذه التعاليم ما عاق هذا المذهب عن الإنتشار، فإن الشرف والتضحية والإيثار لا تتفق مع الأثرة وحب النفس.
وقد اعترض على مذهب السعادة الشخصية هذا بجملة اعتراضات: (1)
إذا كانت اللذة الشخصية هي المقياس فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل، عد الإحسان فضيلة، مع إجماع الناس على عده كذلك. (2)
هذا المذهب يستلزم احتقار من ضحوا بلذتهم وحياتهم لمنفعة الناس، وتكريم من ضحى بسعادة الناس وحياتهم لمصلحته هو - ولا قائل بهذا - (ب) مذهب السعادة العامة
4
أو مذهب المنفعة
هذا المذهب يقول: إن ما ينبغي أن يطلبه الإنسان في الحياة ليس سعادته الشخصية، وإنما ينبغي أن يطلب أكبر سعادة للناس، بل لكل حساس، ولتوضيح ذلك نقول: عندما نريد الحكم على عمل بأنه خير أو شر يجب أن ننظر فيما ينتجه العمل من اللذائذ والآلام لا للعامل نفسه - كما يقول المذهب الأول - بل لكل الناس، بل ولكل حيوان يتلذذ أو يتألم من هذا العمل، ثم نجمع ما ينتجه العمل من اللذائذ وما ينتجه من الآلام،
5
فإن رجحت لذاته آلامه فخير وإن رجحت آلامه لذاته فشر، فإذا سئلت - مثلا - هل يحسن أن تتعلم البنات مع البنين في مدارس واحدة أو لا، فاحسب حساب ما ينتجه ذلك من الفوائد والمضار للأمة جميعها، وقارن بينهما، فما رجح فاحكم بمقتضاه، وإذا سئلت هل من الحق أن تذبح الحيوان لتأكله فاحسب حساب ألم الحيوان من ذبحه، وتلذذ الآكلين من أكله، وما يستفيده الآكلون صحيا، وما تستفيده الأمة من صحة أبنائها وهكذا، وقارن بين اللذائذ والآلام، ثم احكم على العمل بأنه خير أو شر وهكذا.
وإذا خيرت بين جملة أعمال فاحسب حساب ما ينتج كل من اللذائذ والآلام، فأيها زاد رجحان لذائذه على آلامه فهو الخير، وهو الذي ينبغي أن يعمل.
Unknown page