وليس مذهب السعادة يقول: ينبغي أن يطلب الإنسان السعادة (اللذة) فحسب، لأن ذلك من طبيعة الإنسان، وكل الناس إنما يبحثون وراء اللذة، وكل عمل لا يخلو من لذة، وإنما يقول: ينبغي أن يطلب أكبر سعادة، أو بعبارة أخرى أكبر لذة، فإذا خير بين جملة أعمال ينبغي أن يطلب أكبرها لذة، والإنسان المفرط في شهواته لا يلام لأنه يطلب اللذة، فكلنا يطلب ذلك، ولكن يلام لأن إفراطه في الشهوات يسبب من الآلام أكبر مما يسبب من اللذائذ، والذى كذب إنما يلام لأنه حصل بكذبته لذة صغيرة وأنتج ألما كبيرا وهكذا.
وقال أصحاب هذا المذهب: إن اللذائذ يمكن أن تقارن، ويجب عند تفضيل لذة على لذة مراعاة الشدة والمدة، وكذلك الألم، لأنه يعتبر لذة سالبة، فإذا سئلت عن عملين أيهما أفضل: بناء مستشفى مثلا، أو التصدق على الفقراء بالمال؟ فاحسب حساب ما ينتج عن كل من اللذائذ، ومدة هذه اللذائذ، فإذا كان الأول ينتج لذة بمقدار 80 مثلا في مدة عشر سنوات، والثاني ينتج 200 في مدة سنتين، كان العمل الأول هو الواجب، لأن لذته مع مراعاة مدتها أكثر وهكذا.
ولكن إذا قلنا: إن السعادة هي الغاية الوحيدة للإنسان ولا شيء غيرها، وأنها هي المقياس الذى نقيس به العمل لنعرف أخير هو أم شر، فسعادة من نريد؟
هل ينبغي أن يطلب الإنسان أكبر سعادة لشخصه هو، فالعمل خير إذا كان يسبب للعامل نفسه لذة أكبر من الألم، وشر إذا كان ينتج لنفسه ألما أكثر من اللذة؟
أو ينبغي للإنسان أن يطلب اللذة للعالم الذى يعيش فيه، فالعمل خير إذا كان ينتج لذة للناس أكبر مما ينتج من الألم - ولو كان ينتج للعامل نفسه ألما أكبر - وشر إذا كان ينتج للناس ألما أكبر؟ هذان مذهبان للقائلين بالسعادة: (أ)
مذهب السعادة الشخصية. (ب)
مذهب السعادة العامة، ويسمى أيضا مذهب المنفعة. (أ) مذهب السعادة الشخصية
2
هو المذهب القائل: إن الإنسان ينبغي أن يطلب أكبر لذة لشخصه، ويجب أن يوجه أعماله للحصول عليها.
فعلى هذا المذهب إذا تردد إنسان بين عملين، أو تردد في عمل أيعمله أم يتركه، فليحسب ما فيه من اللذائذ والآلام لشخصه ويوازن بينهما، فما رجحت لذائذه فخير، وينبغي فعله، وما رجحت آلامه فشر وينبغي تركه، وما تساوت فيه اللذائذ والآلام كان فيه مخيرا.
Unknown page