فامتقع أحمس ونظر في وجوه رجاله، فإذا بالوجوم يعلوها جميعا، ثم قال: لم يبق لدينا سوى ألفي فارس .. فكيف تقدرون خسائر العدو؟
فقال القائد ديب: لا أتصور يا مولاي أنها تقل عن خسارتنا .. وأرجح أنها تزيد عليها.
فحنى الملك رأسه ولبث يفكر مليا، ثم نظر إلى رجاله وقال: سيعلم كل شيء غدا، فغدا يوم الفصل دون شك، ولعل عدونا يعاني من الحيرة والقلق ما نعاني وأكثر، وعلى كل حال لن يلومنا أحد ولن نلوم أحدا، والرب يعلم أننا نقاتل بقلوب كارهة للحياة!
فقال ديب متسائلا: إن أسطولنا لا يحارب الآن، فلماذا لا ينزل جنودا وراء جيش العدو فيما بين هيراكونبوليس ونخب؟
فقال أحمس إبانا: إن أسطولنا سيطر الآن على النيل سيطرة كاملة، ولكنا لا نستطيع أن نجازف بإنزال جنود وراء العدو إلا إذا كان جيشه جميعا مشتبكا في القتال، والواقع أن القتال مقصور حتى الآن على فرقتي العجلات، أما جيش العدو فرابض وراء الميدان مستريحا يقظا.
وسأل أحد كهنة أمبوس قائلا: أليس لنا يا مولاي قوة احتياطية من الفرسان؟
فقال أحمس: لقد جئنا مصر بستة آلاف فارس، هم ثمرة جهاد شاق وصبر طويل، فخسرنا منهم أربعة آلاف رجل في اثني عشر يوما من أيام الجحيم!
فقال حور: مولاي .. إن سيين وأمبوس وأبولينوبوليس مجنا تبني العجلات وتدرب الفرسان بلا توان.
أما أحمس إبانا فقال بحماسه الذي لا يعرف اليأس: حسبنا شعارنا الذي لقنتناه الأم المقدسة توتيشيري: «حياة أمنمحيت أو ميتة سيكننرع»، وأن فرساننا لا يغلبون، وأن مشاتنا ليتحرقون شوقا إلى القتال، ولنذكر دائما أن الرب الذي أرسلك إلى أرض مصر لم يرسلك عبثا.
وأمن الرجال على قول القائد الشاب، وابتسم الملك ابتسامة مشرقة، وبات الجيش ليلته واستيقظ مع الفجر كعادته وتأهب للقتال، وعند سفور الصباح تقدمت فرقة العجلات وفي قلبها الملك وحرسه، ونظر إلى الميدان فرآه خاليا فعجب غاية العجب، ثم أمعن في النظر فرأى على البعد أسوار هيراكونبوليس لا يعترض سبيله إليها رجل من الرعاة، ولم تطل الدهشة بالملك فجاءه بعض رجال الاستطلاع وقرروا بين يديه أن جيش أبوفيس انسحب من الميدان بجموعه الجرارة وترك هيراكونبوليس في الليل، وجد في السير نحو الشمال، ولم يتمالك القائد محب أن قال: الآن حصحص الحق .. وما من شك في أن قوة عجلات الرعاة تحطمت، وأن أبو فيس آثر أن يفر إلى حصونه على أن يواجه فرساننا بمشاته.
Unknown page