Khulasat Tarikh Ciraq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
وبعد أن ولى عهد هذه الدولة الأمورية البابلية، ابتلع في الآخر العنصر السامي العنصر الشمري، وغدت اللغة الشمرية لغة مماتة، حفظت بجنب اللغة الأكدية بمنزلة لسان ديني على حد ما كانت اللغة اللاتينية في العصور الوسطى، وأصبحت اللغة السامية منذ ذاك الحين لغة سواد الناس في شنعار كلها.
نشأت الدولة الأمورية وترعرعت، ثم اكتهلت فهرمت، ثم طوت بساط أيامها وانقرضت ، وآخر خلف لحموربي تشير إليه الآثار يبين كأنه يعود إلى النصف الأول من القرن الثامن عشر قبل المسيح. وبعد ذلك انتشر أقوام في تلك الديار وحيثو آسية الصغرى المعروفة بالأناضول، وهم أقوام لم نسمع بهم إلى اليوم، وفدوا إلى بابل وأخذوا معهم صورة الإله الخاص ببابل؛ أي مردوخ (المعروف باسم عام هو بل تخفيف: بعل؛ أي الرب أو السيد)، ثم قدم الديار المذكورة قوم من الجبال القائمة بين بابل وفارس اسمهم الكاشو (أو الكشيون)، فجاءوا من الشرق وأوغلوا في قلب البلاد، وأقاموا على عرش بابل واحدا من ملوكهم. وإننا لنجد أثرا لهذه الدولة مدة قرن، ثم يكتنف البلاد ظلمات فوق ظلمات زهاء قرنين، لا نرى فيها ما يفيدنا عن أخبار أرض شنعار شيئا يذكر. (10) إبراهيم والقوافل السامية
تفيدنا التوراة أن الله خلق العالم وما فيه مع الإنسان في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع، وسمى الرجل الأول آدم، والمرأة الأولى حواء، وأعطاه إياها معينة له، وأقامهما في جنة لذيذة، ثم طردا منها لمخالفتهما أمر الله، وأكلهما من ثمرة الشجرة التي منعا عن أن يأكلا منها، وهي الشجرة المعروفة باسم شجرة معرفة الخير والشر.
وأخذ الناس يكثرون من صلب آدم وحواء، ونموا نموا بينا، لكنهم أخطئوا أمامه تعالى؛ فأبادهم بطوفان هائل سلم منه نوح وأهل بيته، ومن نوح عمرت الأرض من جديد، فهو الأب الثاني.
وبعد أن مضى على الطوفان نحو ألف سنة اختار الله إبراهيم، وعقد عهدا معه ليجعله رأس أمة مصطفاة، وكان الخليل قد ولد في مدينة أور (وهي التي نسميها اليوم: المقير)، وكان يقيم يومئذ في حران، وهو ابن تارح، فقال الله له: «اخرج من بلادك ومن أقاربك ومن بيت أبيك إلى البلاد التي أريكها، وأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأجعل اسمك عظيما وتكون بركة، وأبارك مباركيك وألعن لاعنيك، وبك تتبرك جميع بيوت الأرض.» فحينئذ غادر إبراهيم بلاده وذهب إلى البلاد التي ذكرها له الرب.
وفي ذلك العهد كانت القوافل تجري على الوجه الذي نراها تجري عليه الآن بدون أدنى تغيير، فكان أهل البيت الواحد يجتمعون وأناسا آخرين، ويأخذون معهم خيما وزادا وأدوات طبخ وشرب، ويأخذ أصحاب البيوت المترفهة خداما ورئيسا للطريق يسمونه عكاما، ويكرون لهم دواب من واحد مهنته السير بين مدينة ومدينة وقد عرف الطريق أحسن معرفة، ويكون أغلب سير القوافل في فصول السنة الطيبة، مثل الربيع والخريف، وقد تكون الأسفار أيضا في الصيف، لكن المسافرين يسرون في الليل ولا يسيرون في النهار، ويضربون خيمهم على كل حال قريبا من الماء بجانب نهر أو عين ماء أو بئر أو صهريج لضرورة الماء، ويمشون كل يوم من 7 إلى 9 ساعات، بموجب طول المراحل وقصرها.
وهكذا فعل إبراهيم، فإنه أخذ سارة ولوطا ابن أخيه وجميع أموالهما التي اقتنياها، والنفوس التي امتلكاها في حران وخرجوا، فأتوا أرض كنعان، ومن بعد أن قاسى هو ومن معه شدائد الطريق وأنواع المشقات، ألقى عصا ترحاله في كنعان من بعد أن ذهب إلى مصر، فلم تطب في عينيه لسوء آداب فرعون ومن معه من الرؤساء. وكان مقام إبراهيم في كنعان في جوار جرار، ثم في حبرون، وهناك جدد الأزلي عهده معه ووعده بأن البلاد كلها تكون لذريته.
وأقام في تلك الأرض هو وابنه إسحاق وحفيده يعقوب بأمن وسلام، وولد ليعقوب اثنا عشر ولدا، وكان أحدهم يوسف، يبغضه إخوته أشد البغض؛ لأن أباه كان قد ميزه عن سائر إخوته بمحبة خاصة، فباعوه لقافلة تجار كانوا يذهبون إلى مصر، وأقنعوا أباهم أن سبعا
4
افترسه، وفي مصر اشتراه فوطيفار، أحد كبار موظفي فرعون، وما عتم أن أصبح قيما على مال سيده، ثم رقي حتى صار أول وزير لفرعون. وفي سنة من السنين ساقت المجاعة إخوته إلى مصر، فذهبوا يشترون حنطة، فأظهر نفسه لهم وأخذهم إلى بين يدي الملك، فقال حينئذ فرعون: «قل لإخوتك: اعملوا هذا، حملوا دوابكم واذهبوا وعودوا إلى أرض كنعان، وخذوا أباكم وعيالكم وارجعوا إلي فأعطيكم من أحسن ما في ديار مصر، فتأكلوا شحم الأرض.» فذهب إذا إسرائيل مع كل ما كان له ، ووضع بنو إسرائيل يعقوب أباهم وصغار أولادهم ونساءهم على مركبات بعث بها فرعون ليحملوا عليها، وأخذوا معهم أيضا مواشيهم وأموالهم التي اقتنوها في بلاد كنعان، ويعقوب وكل أهل بيته معه وهبطوا مصر، فأقاموا بين شعبة من شعب النيل وبين الصحراء في أرض جشن، حيث نموا نموا عظيما، وأصبح أبناء يعقوب ويوسف أصل الأسباط الاثني عشر، وهؤلاء أولادهم: «يهوذا، وشمعون، وبنيامين، ودان، وأفرائيم، ومنسى، وبساكر، وآشير، ونفتالي، وزبولون، ورؤبين، وجاد.» (11) الخروج من مصر وأمر موسى
Unknown page