Khulasat Tarikh Ciraq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
الخاتمة
خروج العراق من أيدي الترك ومصيره إلى الدولة البريطانية الكبرى
تناوب على العراق أمم مختلفة وأقوام شتى في عصور عديدة، وليس بلادا مثل هذه الديار تتابعت عليها الأجيال واختلفت عليها الأيادي إلا ما قل وندر، وقد مر بنا ذكر أعظم هذه الشعوب، وفي الآخر وقعت في أيدي المغول على ما سبقت الإشارة إليه، ومنهم انتقلت إلى جماعة منهم يعرفون باسم «جلائر»، وكان أحدهم، وهو «حسن بزرك»، قد أنشأ دولة في بغداد في سنة 736ه/1335م عند وفاة أبي سعيد، وهذه الدويلة لم تعمر فإن آل «قرة قويونلي» (أي الخروف الأسود) جاءوا في سنة 1411 فأبادوها من بغداد.
ومن أخبار ذلك العهد أن الأمير الشيخ حسن المذكور لما دالت عليه الدولة فغلبه حسن الجوباني في معركة وقعت له معه في ديار إيران عاد أدراجه إلى بغداد، وكان فيها ابنه السلطان أويس بمنزلة حاكم فيها، فاستقل بها مدة 17 سنة، وشيد مباني فخمة في النجف، وتوفي في بغداد في سنة 757ه/1356م، ودفن في النجف بجوار مدفن الأمير. وذهب بعض المؤرخين إلى أن حسن الكبير أو حسن بزرك الإيلخاني أو الجلائري ملك عشرين سنة، فلا شك أنهم حسبوا في هذه المدة السنوات التي غاب فيها عن الزوراء قبل أن يجهر بالاستقلال.
وملك بغداد بعد حسن بزرك ابنه السلطان أويس المذكور، وذلك في شهر رجب سنة 757ه/تموز سنة 1356م، وبعد سنتين اضطر أن يزحف على أخيجوق بجوار تبريز، وكان هذا الأخير قد تملك على أذربيجان، غير أن السلطان أويس لم يفلح في زحفته؛ إذ خانه أحد قواده، فاضطر إلى أن يعود إلى بغداد، لكن ما أعظم ما كان عجبه لما علم أن مملوكه مرجان الذي كان قد أبقاه في المدينة وكيلا عنه قد تمرد عليه واستقل، ولم يرد أن يذعن له؛ لأنه علم بخيبته في إيران، فأراد أن يخيبه في دار السلام أيضا، لكن السلطان أويس استشاط غضبا وأراد أن يمثل بهذا النصراني الخائن الذي من بعد أن اشتراه أبوه وهو صغير وعلمه دين الإسلام فأسلم، حاول أن يغدر هذا الغدر، ومما حمل الخواجا مرجان على هذا الغرور أن الفصل كان ربيعا وكان دجلة قد طغى طغيانا فاحشا، فأحاط بالمدينة وجعلها كالجزيرة الحصينة التي لا ترام، بيد أن السلطان أويس بذل من الهمة والسعي ما مكنه من دخول المدينة، وكان معه أربعمائة سفينة مشحونة بالمقاتلة والذخائر، ولما أراد قتله شفع فيه أهل المدينة، فعفا عنه، لكنه نزع من أيديه كل سطوة، ولم تعد إليه إلا عند وفاة السلطان شاه الخازن التي وقعت في سنة 769ه/1368م، ومذ ذاك الحين صمم الخواجا مرجان على أن يكفر عن خيانته، فأنشأ مدرسة كبيرة وحبس عليها الأوقاف، وبنى لها مسجدا، وهو الذي نراه إلى يومنا هذا، وهو معروف باسم «جامع مرجان»، وهو آية في حسن البناء، يزين مدخله عمودان ملتفان، وحولهما زخارف عربية بديعة، مما يدل على أنه كان في بغداد في ذلك العهد رازة يشهد لهم بطول الباع وسعة المعرفة. على أن أغلب تلك الأوقاف قد تلفت، لا سيما ما كان منها في خارج المدينة، لإهمال الدولة التركية شئونها وإدارتها.
وأول من ملك العراق فكانت حاضرته بغداد، وهو من دولة «قره قويونلي»، الشاه منصور بن محمد، وذلك في سنة 778ه/1376م، ثم قام عليه السلطان أحمد من القبيلة المذكورة، فطرده من بغداد سنة 785ه/1383م، وبقي فيها إلى 802ه/1399م لما استولى على بغداد تيمور لنك وملكها بالأمان، فهرب أحمد إلى بلاد الروم، والتجأ بالسلطان بيازيد خان، فأرسل إليه تيمور يطلبه من السلطان، فأبى هذا أن يخون دخيله، فنشأت العداوة منذ ذلك الحين بين تيمور وبيازيد. ولما هلك تيمور عاد أحمد إلى بغداد وقبض على ناصية العراق إلى سنة 813 / 1410، وفي تلك السنة تقوى قره يوسف التركماني على السلطان أحمد وقتله، وملك بغداد والعراق ، وانقرضت بذلك الدولة الإيلخانية من هذه الديار.
وفي سنة 833 / 1430 مات قره يوسف في أوجان من نواحي الموصل، فقام بدله ابنه محمد، وكان ذا فكر ثاقب ورأي صائب، فأدار شئون العراق إدارة حسنة، وبعد موته انتقل الملك إلى ابنه البكر إسكندر الذي اتفق مع أخيه الآخر جهانكير شاه، فجيشا الجيوش وزحفا على شاه رخ بن تيمور لنك، لكن السعد خدم ابن تيمور الذي هزم عدويه، ثم إن جهان شاه وأغلب أمراء الترك ملوا معاملة إسكندر، فتركوه ولجئوا إلى معسكر شاه رخ، فرحب بهم، وقلد جهان شاه ولايتي ديار بكر وأذربيجان بشرط أن يفتحهما ويقبض على أخيه إسكندر، فلما درى بذلك هذا الأخير فر إلى قلعة ألنجق ليقاوم أخاه العدو، فلم يستطع جهان شاه أن يحقق منيته إلا بعد أن غدر به؛ وذلك أنه كان يعلم أن قباد ابن المحاصر قد عشق مملوكة أبيه، فحمله على قتل أبيه لينيله ما يطلب، ففعل، وكان ذلك في سنة 841 / 1438، وكان قد ملك 16 سنة. وقد روى صاحب «نخبة التواريخ» أن جهان شاه قتل بعد ذلك بيده الولد العقوق الفاتك معاقبة له لإثمه الفظيع.
ولما تبوأ جهانكير شاه عرش المملكة قبض أيضا على أعنة بلاد ديار بكر وأذربيجان مدة 12 سنة بمقام نائب عن شاه رخ بن تيمور، ولما قضى شاه رخ نحبه سنة 850 / 1446 استقل حينئذ جهانكير بالملك كل الاستقلال، وبقي مدة 32 سنة سيدا مستبدا مادا صولجان ملكه على بلاد ديار بكر وأذربيجان وبغداد والبصرة وفارس وكرمان، وليس له مناوئ يعارضه، ثم نهض بعد هذه المدة أوزون حسن (أو حسن الطويل) مؤسس دولة آق قويونلي التركمانية (أو دولة الخروف الأبيض)، وقتل جهان شاه سنة 872 / 1468، والمملكة التي كان قد أنشأها القتيل انتقلت بسعتها وعظمتها إلى حسن الطويل.
وبعد وفاته التي كانت في سنة 883 / 1478 انتقلت الإمارة إلى ابنه البكر خليل ميرزا، وكان سيئ الخلق ظلوما غشوما ، فقتل، والقتل نهاية كل ظالم، وذلك في سنة 884 / 1480، فقام على العرش أخوه يعقوب ميرزا، وبقي متسنما إياه ثلاث عشرة سنة، حتى سقته أمه سما وهي لا تدري، فمات وماتت هي أيضا؛ لأنها شربت من ذلك السم عينه بدون أن تعلم حقيقته.
فاجتمعت طائفة من خدمهما ونصبت باي سنقر ميرزا ملكا، بينما كانت جماعة أخرى من خدمهما الآخرين انتخبوا لهم ملكا مسيح ميرزا، فنشب القتال بين الأخوين، فقتل مسيح في المعركة، وتمكن باي سنقر من رقي العرش الذي خلا له هنيهة؛ لأن محمود بك ابن أوغورلي محمد (أي ابن عم باي سنقر) انهزم إلى بغداد، وكان فيها يومئذ حاكما شاه علي بيرناك، وقبض على أعنة المدينة بسعي الحاكم المذكور ومساعدته، فلما سمع بذلك باي سنقر ومؤدبه صوفي خليل زحفا على المتحالفين، فنشب بين الجمعين معركة شديدة انجلت عن قتل المتحالفين المذكورين والأسلحة بأيديهما. على أن باي سنقر لم يتمتع بالملك مدة طويلة؛ لأن رستم ميرزا بن مقصود - وهو من أولاد عمه - نهض عليه وقاتله، فقتل في المعركة، ونال رستم ما منى به نفسه، وهو القبض على أذربيجان فملك عليها مدة خمس سنوات ونصف، ثم قتل سنة 904 / 1498، فملك بعده ابن عمه أحمد خان بن أرغون بن محمد بن أوزون حسن، فكان آخر من ملك بغداد من دولة آق قويونلي؛ لأن الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد قدم بغداد وحاصرها، ولم يفتر عن التضييق عليها حتى افتتحها، وأعمل فيها السيف مبتدئا بأحمد خان فذبحه، وذلك في سنة 905 / 1499، وأجبر كثيرين من السنة على التشيع بعد سنة من قدومه، وعمل له بعض أدباء الجعفريين هذا التاريخ بقوله: «مذهبنا حق» (وهو يساوي بحساب الجمل 906)، فرده أحد أدباء السنة فقال: «مذهب نا حق.» ومعناه مذهب غير حق بالفارسية، ولم يجسر هذا الأديب أن يقول هذا القول في عهد الشاه الصفوي، بل بعده بكثير، وكان الشاه قد قتل كثيرين من مسلمي السنة، وذبح جميع نصارى المدينة ولم يبق واحدا منهم، أما اليهود فإنه لم يتعرض بهم؛ لأنهم كانوا أدلاءه على السنة والمسيحيين، وكانوا يهدون إليه الهدايا الجليلة والأموال الطائلة لاحتياجه إليها يومئذ.
Unknown page