Khulasat Tarikh Ciraq
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
أقسام التاريخ وفوائد دراسته
يقسم التاريخ قسمين: التاريخ المدني، وهو المراد به إذا أطلقنا كلمة التاريخ، والتاريخ الطبيعي، وهو علم المواليد الثلاثة: الحيوان، والنبات، والمعادن؛ وليس الكلام عنه هنا.
ويتفرع التاريخ المدني إلى فرعين، وهما: عام، وخاص، فالتاريخ العام يتضمن تاريخ البشر عموما، ويقسم اعتياديا إلى أربعة أعصر، وهي: العصر القديم منذ خلق آدم إلى سقوط مملكة الرومان وانقراضها في سنة 476م، والعصر المتوسط يبتدئ منذ سنة 476 وينتهي سنة 1453، وهي سنة فتح العثمانيين لمدينة القسطنطينية، والعصر المتأخر من سنة 1453 إلى سنة 1789، والعصر الحديث أو الحالي، ويبتدئ من سنة 1789 إلى يومنا هذا.
والتاريخ الخاص يشمل أيضا التاريخ المفرز، وهو المختص بموضوع واحد، كمملكة، أو ولاية، أو دولة، أو بلدة، أو بيت، أو شخص، ويشمل أيضا تاريخ الحوادث؛ أي ما يتعلق بعصر واحد أو حادثة مأثورة، كحرب البسوس مثلا وتاريخ الجاهلية. ويسمى التاريخ الخاص بعدة أسماء بحسب موضوعاته، كتاريخ العرب، وتاريخ الإسلام، والتاريخ السياسي ... إلى غيرها. وإذا كتب التاريخ كتابة ساذجة سنة فسنة يسمى بالأخبار، أو تاريخ القرون، أو تاريخ الوقائع (وبالإفرنجية: قرونولوجية)، وإذا كان كاتبه يكتب ما شاهده بنفسه أو كان له مدخل فيه يسمى كتابة تذكرة أو أخبارا. وإذا لم يتكلم إلا عن نفسه، فيعرف بالترجمة الخاصة أو الذاتية، وإذا اعتبر التاريخ في نسقه؛ أي في طريقة مأخذه في ذكر الحوادث فتتبع كاتبها الزمن بترتيب، فهو أخبار الأيام أو تاريخ السنين. وإذا تكلم عن شعب فقط أو أمة من الأمم فيعرف بالسير، وإذا ذكر الحوادث التي جرت في وقت واحد عند أمم مختلفة، فيعرف بالحوادث العصرية، ويسمى بغير هذه الأسماء بحسب المجرى الذي يجري فيه.
ومهما يكن من أقسامه فإن دراسة التاريخ من أوجب الدروس على الإنسان؛ لأنه بالوقوف عليه يعرف ما مضى، فيتحقق أن المساوئ لا تلد إلا أضرارا لصاحبها، وأن الحسنات لا تنتج إلا منافع لصاحبها، وما من أمة ارتقت إلا بعد أن عرفت تاريخ سلفها، وما انحطت إلا لما جهلت تاريخه؛ لأن المرء لا يندفع إلى العمل إلا بما يرى ويؤثر على حواسه الباطنة والظاهرة، ولا يقعد عن الجد والدأب إلا إذا لم يكن له دافع يدفعه إليه. هذه هي المنافع الكبرى التي لا يغض عنها، فضلا عن سائر المنافع التي لا تخفى على المطالع.
فمنها أن الإنسان يحب البقاء ويؤثر أن يكون في زمرة الأحياء، فأي فرق بين ما رآه أمس أو سمعه وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين، فإذا طالعها فكأنه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضرهم.
ومنها أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان، ورأوها مدونة في الكتب يتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر، وقبيح الأحدوثة، وخراب البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال؛ استقبحوها وأعرضوا عنها واطرحوها، وإذا رأوا الولاة العادلين وحسنهم وما يتبعهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم، وأن بلادهم وممالكهم عمرت وأموالها درت، استحسنوا ذلك ورغبوا فيه، وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي رفعوا بها مضرات الأعداء وخلصوا بها من المهالك، واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك، ولو لم يكن فيها غير هذا لكفى.
ولما كان الوقوف على ديار العراق والجزيرة مما يهم كل إنسان يريد الوقوف على مبادئ التاريخ وتقدمه؛ أتينا بهذا التأليف ليتحقق ما في الأمنية.
الجزء الأول
في الجزيرة القديمة قبل الإسلام
Unknown page