Khulasat Athar
خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر
Publisher
دار صادر
Publisher Location
بيروت
إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ يتعمم بالصوف الَّذِي يُقَال لَهُ المئزر وَوصف البديعي هَيئته فَقَالَ رث الشَّمَائِل وسخ الأثواب كَأَنَّمَا بكرت عَلَيْهِ مُغيرَة الْأَعْرَاب خلق الجلابيب والأردان كَأَنَّمَا اتخذ عمَامَته منديل الخوان فزيه غَرِيب وطليسان ابْن حَرْب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ قشيب وَكَانَ متقللاص فِي الْمطعم واللباس منقبضًا فِي الْغَالِب عَن المخالطة وَلم يتَزَوَّج فِي عمره وَكَانَ يكْتب الْخط الْحسن الْمَنْسُوب وينظم من الشّعْر مَا يزري بزهر الخمائل وَكَانَ فِي الْغَالِب يقْضِي أوقاته فِي بيُوت القهوة وَرُبمَا كَانَ يبيت هُنَاكَ وَكَانَ قَلِيل التكسب بالشعر وَإِذا مدح أحدا يُرْسل مدحه إِلَى بعض توابعه ويرجو بِالْإِشَارَةِ بعض جدواه وَقد وصف بعض حَاله فِي قصيدة لَهُ حَيْثُ قَالَ
(إِذا لم أعز فَمن ذَا يعز ... وفقري وقنعي كنز وحزر)
(لبست من الْيَأْس فِي النَّاس ثوبا ... عَلَيْهِ من الْعقل وَالْفضل طرز)
(وَلست أرى الذل إِلَّا إِذا ... كَانَ فِي الْحبّ والذل فِي الْحبّ عز)
(ومثلي حر عباه غناهُ ... إِذا استعبد النَّاس خَز وبز)
وَوصف خطه وحظه فَقَالَ
(زَاد خطي وَقل حظي فَمن لي ... نقل نقط من فَوق خاء لطاء)
(وبشعري الغالي ترخص سعري ... وبطب الْفُنُون مت بدائي)
وَهَذَا مَسْبُوق إِلَيْهِ فِي قَول بَعضهم
(لَا تحسبوا أَن حسن الْخط يسعدني ... وَلَا سماحة كف الحاتم للطائي)
(وَإِنَّمَا أَنا مُحْتَاج لوَاحِدَة ... لنقل نقطة حرف الْخَاء للطاء)
وَذكر الْحسن البوريني فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ مَعَ ظُهُوره بِصُورَة الْفقر يتهم بِمَال كثير ظَهرت لَهُ بعض آثَار حَيْثُ أحب بعض أَحْدَاث دمشق وَشك عَلَيْهِ بمبلغ يقرب من مائَة دِينَار ذَهَبا وَكَانَ القَاضِي حِينَئِذٍ المرحوم الْعَلامَة محب الدّين الْحَمَوِيّ فَلَمَّا وقف العناياتي بَين يَدَيْهِ وَأقر الْحَدث بِالْحَقِّ لَدَيْهِ طلب حَبسه وَاقْتضى مِنْهُ ديناره وفلسه فَقَالَ لَهُ القَاضِي يَا شيخ أَحْمد تحبسه عنْدك فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا أَنا فِي حبس حبه وَهُوَ فِي حبس مَالِي فَحِينَئِذٍ لَا لَهُ وَلَا لي قلت وَكَانَ لجدي الْمَذْكُور مَعَه مداعبات ألطف من نسمات الرياض وأخفى سحرًا من الحدق المراض وألطف مَا سمعته مِنْهَا أَنه كَانَ يهوى غُلَاما اسْمه أصلان وَكَانَ الْغُلَام يحترف فِي دكان بِبَعْض أسواق دمشق وَكَانَ العناياتي يَأْتِي إِلَى دكان أَمَامه وَيجْلس لأجل مشاهدته فَمر بِهِ الْجد يَوْمًا وَهُوَ
1 / 167