قضى في سفح لبنان حيث التمس العافية من الهواء والماء، ومن أين للداء العياء دواء؟! فاتصل نعيه ببيروت الآسفة، فلا تسل القلوب عما تمزق، ولا الصدور عما توقد، ولا العيون عما جرى. إنك تكاد لا تجد إلا رأسا قلقا وصبرا مفترقا، وقلبا محترقا، فيا لله ما هذه البلية!
كان رايتنا في علم اللسان، وآيتنا في صناعة البيان، وغايتنا في حب الإنسان، كان والله فتى ولا كالفتيان، جريئا في الحق ما أخذته فيه لومة، وما رهب فيه وعيدا، بل ما كان له شعار في هذه الحال أو مثلها من الأحوال إلا قول من قال:
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جبانا
فمات شهيدا حميدا فقيدا، وحق لاسمه أن يخلد إلى الذرية.
كان زهرة الأدب في الشام، وريحانة العرب في مصر، فلا عجب إذا ألفيت بنسيانه أحشاء الشام شحاحا، أو لفقدانه امتلأت نواحي أرض مصر نواحا، أي والإنسانية كان للإنسانية نصيرا، ولأعدائها نذيرا، وبالإنسانية بشيرا فلتبكه الإنسانية.
ويا إخوان أديب المنتشرين في الأرض، مات أديب وأدرج في كفنه، وأصابت الديدان مقيلا في بدنه، وأخرسه الموت في ترابه، وحيل بيننا وبين خطابه، فابكوا ما وجدتم في العيون دموعا، ولا تسألوا قبلة الوداع فقد قبلته عنكم جميعا وقد:
ودعته وبودي لو يودعني
طيب الحياة وإني لا أودعه
دفناه وتركناه ولو أقمنا ما نفعناه، وهو من قبل قد نزعت إليكم روحه شوقا، فأوصاني بإلقاء التحية.
Unknown page