Khitab Wa Taghayyur Ijtimaci
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
علاقة ؛ علاقة بين كيانات محددة من «المؤسسات، والعمليات الاقتصادية والاجتماعية، والأنساق السلوكية، ونظم المعايير، والتقنيات، وأنماط التصنيف، وأنواع التوصيف» (1972م، 45)؛ وهي علاقة تشكل قواعد تكوين الموضوعات. وفي صدد الحديث عن المثال الذي ضربه فوكوه من المرض النفسي، يقول:
إذا كنا قد شهدنا في فترة معينة من تاريخ مجتمعنا معاملة علماء النفس والطب النفسي للمنحرف، وإذا كان السلوك الإجرامي قادرا على إيجاد سلسلة كاملة من موضوعات المعرفة (مثل القتل، والانتحار، والجرائم العاطفية، والجرائم الجنسية، وأشكال معينة من السرقة والتشرد)، فإنما كان ذلك راجعا إلى استعمال مجموعة من العلاقات الخاصة في خطاب الطب النفسي، مثل العلاقة بين مستويات التحديد للفئات العقابية ودرجات تخفيف المسئولية، ومستويات التشخيص السيكولوجي (أنواع الإمكانيات، والاستعداد النفسي، ودرجات التطور أو الانطواء، والطرائق المختلفة للتجاوب مع البيئة، وأنماط الشخصية، مكتسبة كانت أو وراثية)، والعلاقة بين سلطة القرار الطبي وسلطة القرار القضائي، والعلاقة بين «المصفاة» التي يشكلها التحقيق القضائي، والمعلومات الشرطية، والتحريات، والآلة الكاملة للمعلومات القضائية، و«المصفاة» التي يشكلها الاستجواب الطبي، والفحوص الإكلينيكية، والبحث في السوابق، والتوصيف البيولوجي. والعلاقة بين الأسرة والمعايير الجنسية والعقابية لسلوك الأفراد، وجدول الأعراض المرضية، والأمراض التي تدل عليها، والعلاقة بين الاحتجاز العلاجي في المستشفى ... والحبس العقابي في السجن. (1972م، 43-44)
يقول فوكوه هنا: إن أي تشكيل خطابي يكون موضوعات معينة بطرائق تمثل تقييدا صارما لها، وإن القيود المفروضة على ما يحدث «داخل» ذلك التشكيل الخطابي ناجمة عن العلاقات الخاصة بالمركب الخطابي فيما بين التشكيلات الخطابية، والعلاقات بين الممارسات الخطابية وغير الخطابية التي يتكون منها التشكيل الخطابي. وتأكيد فوكوه للعلاقات الخاصة بالمركب الخطابي تترتب عليه نتائج مهمة لتحليل الخطاب، ما دام يضع في مركز برنامج العمل البحث في بناء التشكيلات الخطابية أو ترابطها من حيث علاقة بعضها بالبعض داخل ما سوف أطلق عليه اسما يمثل مصطلحا عند فوكوه، وهو «نظم الخطاب» المؤسسي والمجتمعي، وأعني به مجموع الممارسات الخطابية داخل مؤسسة أو مجتمع، والعلاقات بينها (انظر فيركلف، 1989م، أ ص29). والرأي القائل بأن ترابط نظم الخطاب عامل حاسم في تكوين أي تشكيل خطابي، وينبغي من ثم أن يكون من نقاط التركيز الرئيسية في تحليل الخطاب رأي يعبر عنه بيشوه بطرائق مختلفة في أعماله (في مفهومه ل «المركب الخطابي»، انظر الفصل الثاني أعلاه) وبرنشتاين (1982م) ولاكلاو وموف (1985م). (3) تكوين نوعيات تعبيرية
تقول القضية الرئيسية التي يطرحها فوكوه فيما يتعلق بتكوين «النوعيات التعبيرية» إن الذات الاجتماعية أو الشخص الذي يقول قولا ليس كيانا له وجود خارج الخطاب وليس مستقلا عنه، باعتباره مصدر ذلك القول (أي مؤلفه)، ولكنه على العكس من ذلك دالة من دوال القول نفسه. ومعنى هذا أن الأقوال تضع الذوات أو الأشخاص - من تصدر منهم ومن توجه إليهم أيضا - في مواقع محددة، حتى «إن وصف القول من حيث إنه قول لا يتمثل في تحليل العلاقة بين المؤلف وبين ما يقوله (أو بين ما كان يريد قوله، أو ما قاله دون أن يريد ذلك)؛ ولكن في تحديد الموقع الذي يمكن، بل لا بد أن يشغله أي فرد إن كان له أن يصبح الذات التي تقول هذا القول» (1972م، 95-96).
ويشرح فوكوه هذه النظرة إلى العلاقة بين الذات والقول من خلال تحديد طابع التشكيلات الخطابية قائلا: إنها تتكون من تكوينات معينة من النوعيات التعبيرية. أما هذه النوعيات التعبيرية فهي أنماط من النشاط الخطابي، مثل الوصف، وتشكيل الفروض، وصياغة اللوائح القانونية، والتعليم وهلم جرا، ويرتبط بكل منها موقع خاص من مواقع الذات. وهكذا، فإن التعليم، على سبيل المثال، باعتباره نشاطا خطابيا، يضع المشاركين فيه في موقعي المعلم والمتعلم. وكما هو الحال بالنسبة ل «الموضوعات» نجد أن قواعد تكوين النوعيات التعبيرية تضعها مجموعة معقدة من العلاقات من أجل تشكيل خطابي محدد، ويلخصها فوكوه بالنسبة للخطاب الإكلينيكي قائلا:
إذا كان الطبيب يقوم في الخطاب الإكلينيكي بعدة أدوار متوالية، كدور السيد الذي يطرح الأسئلة المباشرة، ودور العين الملاحظة، والإصبع الذي يلمس، والجهاز الذي يفسر العلامات، والمركز الذي تندمج فيه الأوصاف التي سبقت صياغتها، والعامل التقني في المختبر، فذلك لأن الحالة تتضمن مجموعة كاملة من العلاقات، بين عدد من العناصر المتميزة، بعضها كان يتعلق بمكانة الأطباء، وبعضها يتعلق بالموقع المؤسسي والتقني، (مستشفى، مختبر، عيادة خاصة ... إلخ) ومنها كانوا يتكلمون، ويشغل آخرون مواقعهم باعتبارهم ذوات تدرك وتلاحظ وتصف وتعلم ... إلخ. (1972م، 53)
ويتميز هذا الإفصاح عن النوعيات التعبيرية بأنه محدد تاريخيا، وخاضع للتغير التاريخي، والانتباه إلى الظروف التاريخية التي تتحول هذه فيها، وإلى الآليات التي تحولها، يمثل جانبا مهما من جوانب البحث في التغير الخطابي في علاقته بالتغير الاجتماعي (انظر الفصل الثالث والفصل السابع أدناه). وفوكوه لا يفترض وجود «ذات طبية» تحقق الترابط بين هذه النوعيات التعبيرية ومواقع الذوات المختلفة، وتعتبر عامل توحيد بينها، ولكنه يقول: إن هذه النوعيات والمواقع المتباينة تمثل بعثرة للذات وتشظيها. أو بعبارة أخرى، يقول: إن الطبيب يتكون من تركيب من النوعيات التعبيرية ومواقع الذوات التي تظل قائمة بفضل القواعد الحالية للخطاب الطبي. ويعتبر عمل فوكوه إسهاما رئيسيا في نقض مركزية الذات الاجتماعية في النظريات الاجتماعية الحديثة (انظر هنريك، وآخرون، 1984م). وفي إثبات الرأي الذي يقول: إن الذات تتكون ويعاد إنتاجها، وتتحول من خلال الممارسة الاجتماعية وفي داخلها. وكذلك الرأي الذي يقول: إن الذات مفتتة.
وأما ما له دلالة خاصة في السياق الحالي فهو أن فوكوه ينسب دورا رئيسيا إلى الخطاب في تكوين الذات الاجتماعية، ويترتب على هذا أن قضايا الذاتية، والهوية الاجتماعية، ومسألة «النفس» ينبغي أن تشغل موقعا رئيسيا في نظريات الخطاب واللغة، وفي التحليل الخطابي واللغوي، ولكنها في الحقيقة لم تلق إلا اهتماما بالغ الضآلة في التيار الرئيسي لعلم اللغة، أو تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي والنصي، أو علم اللغة الاجتماعي أو التداولية اللغوية. فإن هذه المباحث الأكاديمية قد اعتنقت، على الدوام تقريبا، النظرة إلى الذات الاجتماعية باعتبارها سابقة على المجتمع، وهي النظرة التي رفضت على نطاق واسع في المناظرات الحديثة حول الذاتية. وطبقا لهذه النظرة، يشترك الناس في الممارسة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي بهويات اجتماعية سبق تشكيلها وتؤثر في ممارستهم، ولكنها لا تتأثر بها. وأما من حيث اللغة فالباحثون يسلمون على نطاق واسع في هذه المجالات البحثية بأن الهوية الاجتماعية للشخص تؤثر في طريقة استخدامه للغة، من دون الإشارة تقريبا إلى أن استخدام اللغة - أي الممارسات الخطابية - يؤثر في الهوية الاجتماعية أو يشكلها. وهكذا، فإن الذاتية والهوية الاجتماعية تعتبران قضايا هامشية في الدراسات اللغوية، ولا تتجاوز عموما نظريات «التعبير» و«المعنى المعبر»: أي إن الهوية (الأصل الاجتماعي، كون المتحدث رجلا أو امرأة، والطبقة الاجتماعية، والمواقف الاجتماعية والعقائد وغيرها مما ينتمي إلى المتحدث) تجد «التعبير» عنها في الأشكال اللغوية والمعاني التي يختارها.
وأنا أعارض هذا - في اتخاذي موقف فوكوه - بإحلال مسألة آثار الممارسة الخطابية في الهوية الاجتماعية في صلب تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي نظريا ومنهجيا، وتترتب على هذه النظرة عواقب مهمة للقول بأن تحليل الخطاب منهج رئيسي من مناهج البحث الاجتماعي؛ إذ إن النظرية التعبيرية التي تقول بالذاتية في الخطاب تسمح بالنظر إلى الخطاب بصفته بعدا هامشيا للممارسة الاجتماعية، على عكس النظرية التكوينية (أي القائلة بأن الخطاب يشارك في تكوين الهوية الاجتماعية). ومع ذلك تبرز هنا تحفظات مهمة، فإن إصرار فوكوه على أن الذات نتاج للتشكيلات الخطابية تتسم بنكهة بنيوية قوية تستبعد الدور الاجتماعي الفعال بأي معنى ذي دلالة. وهذا غير مرض للأسباب التي سوف أعرضها في القسم الأخير، وأما الموقف من الخطاب والذاتية الذي أدعو إليه في الفصل الثالث فهو موقف جدلي، أي إنه يرى أن الذوات الاجتماعية تشكلها الممارسة الخطابية، ولكنها قادرة أيضا على إعادة تشكيل هذه الممارسات وإعادة بنائها. (4) تشكيل المفاهيم
يعني فوكوه بالمفاهيم: مجموعة الفئات والعناصر والأنماط التي يستخدمها مبحث من المباحث العلمية باعتبارها الجهاز الكفيل بالتعامل مع مجال اهتمامه؛ وهو يضرب مثالا من أن المبتدأ أو الفاعل والخبر والاسم والفعل والكلمة يمكن اعتبارها مفاهيم نحوية، ولكن التشكيل الخطابي هنا، شأنه شأن موقفه إزاء الموضوعات والنوعيات التعبيرية، لا يضع تعريفا لمجموعات «توحيدية» من المفاهيم الثابتة التي يرتبط بعضها بالبعض بعلاقات محددة بوضوح. فالصورة صورة تشكيلات متحركة من المفاهيم المتغيرة، ويقترح فوكوه أن يصبح المدخل إلى تشكيل المفاهيم في أحد التشكيلات الخطابية وصفا لكيفية تنظيم «مجال الأقوال» المرتبطة به، والذي «ظهرت» فيه المفاهيم و«شاعت». وتؤدي هذه الاستراتيجية إلى وصف حافل (1972م) لأنواع العلاقات الكثيرة المختلفة التي قد توجد داخل النصوص وفيما بينها. وهذا مفيد في وضع منظورات تقوم على التناص والمركبات الخطابية في تحليل الخطاب ذي التوجه النصي، خصوصا لأن هذه المنظورات لم تلق إلا اهتماما ضئيلا في علم اللغة أو في تحليل الخطاب ذي التوجه اللغوي.
Unknown page