Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Genres
لنرجع إلى شاتنا كما يقول الفرنسيون، ونعود إلى برليوز ونذكر شيئا من مؤلفاته وعدتها 28 «أوبوس» مؤلف من فاتحات وسانفوني وقطع دينية وأناشيد وأوبيرات وغيرها، ونكتفي بذكر صفوة مؤلفاته الخالدة مثل: «روميو وجولييت» وهي سانفوني دراماتيك كبيرة وبها «كور» و«سولو» للغناء و«برولوج» بشكل «كور»، وقد أثنى عليها «فاجنر» ثناء عظيما وانتقد منها بعض مواضع، قال: إنها ليست في مستوى القطعة ، وقال عنها كاميل سان صانس الشهير: «إنها أرقى ما كتبه برليوز، ولم يترك تعبيرا في الإطراء إلا ذكره.»
وهي في الحقيقة معجزة فنية تلتهب بالعواطف والنفحات الشعرية وأبلغ التعبيرات الصادقة الصادرة من أعماق النفس، وهذه الموهبة لم يبلغ أعظم شأو فيها غير بيتهوفن وبرليوز، وإن فاجنر نفسه لم يلحق غبار برليوز من هذه الوجهة، ولا ننكر أن فاجنر صاحب مذهب عظيم، وأنه رقى بالتمثيل الغنائي ونهض بفن الأوركستراسيون، وعمل انقلابا عظيما في الموسيقى.
كلنا نعرف باجاتيني وهو عطارد الكمنجة وملحن قدير لم يأت قبله ولا بعده من استطاع تقليده، ومن قال عنه ليزت: «من المستحيل أن يخلف باجاتيني أحد، إذ كل من حاول ذلك، ولو أوتي جميع الوسائل المؤهلة فإنه يفتضح أمره ويظهر بمظهر المقلد الكاذب.» وكان باجاتيني هذا حاضر في إحدى حفلات برليوز الموسيقية وبعد الانتهاء ركع أمام برليوز وقال له: «إنك أعظم من بيتهوفن.» ثم أهداه بمبلغ 25000 فرنك. «وطفولة المسيح» وهي من أعظم مؤلفاته الدينية، «وخلود فوست في العذاب» وقد مثلت كثيرا بالأوبرا المصرية، و«أهل طروادة»، ولم تمثل بمصر مع أنها من المعجزات، و«السانفوني فانتاستيك» وهي من أروع ما أخرجته الموسيقى الفرنسية، وهو الذي هذب نشيد المرسلييز والنشيد المجري ووضع لهما الأوركستراسيون الحاضر.
وقد عين مديرا لمكتبة الكونسرفاتوار، وانتخب عضوا في المجمع العلمي الموسيقي، ومنح وسام اللجيون دونور من درجة أوفيسيه، ونال عدة أوسمة من الممالك الكبيرة، وكان ميلاده في سنة 1803 ووفاته سنة 1869، ولنكتف بهذه الكلمة والرواية فيها الكفاية لتاريخ حياة برليوز. (1-1) الرواية
لا مراء في أن شارل ميريه مؤلف «اللهب» و«الدوار» و«الأميرجان» و«الإغواء» و«سرير العرس» يعد من أقدر كتاب المسارح الفرنسيين، وهو يعرف جيدا كيف تركب الرواية التمثيلية، ويعرف كيف ينفذ إلى قلوب الجمهور ويهيمن عليهم، وقد وهب نفحات نادرة في فن المسرح ومناظره اللائقة به.
ابتدأ روايته في عام 1827، وكان برليوز في ذاك الوقت طالبا في الكونسرفاتوار وعمره أربع وعشرون سنة، واختتمها في سنة 1869 بموت برليوز، فتكون المدة التي تدور فيها الرواية اثنين وأربعين سنة، وإنها لقدرة نادرة أن يسرد لك في بضع ساعات حياة نصف قرن تقريبا تشعبت فيه الحوادث وتطورت فيه الأحوال وتغير فيه الزمان، وأظهر لك كل طور في جوه الطبيعي دون أن تشعر بتفكك في أجزاء الرواية أو تناقض تشمئز منه، ولقد وضح لنا حياة برليوز وكفاحه مع البؤس ونضاله مع معاصريه الذين ما فتئوا يتحدونه في كل فرصة حسدا وبغيا، وهرولته الدائمة حول خيال الحب، ومن المناظر التي تلفت النظر وتستهوي النفوس؛ منظر القصر الملكي «اللوفر» سنة 1830، والكونسرفاتوار سنة 1835، وقهوة كاردينال، وقد أظهرت تلك المناظر نوابغ الكتاب والروائيين والموسيقيين مثل: بلزاك، وإسكندر دوماس، وتييوفيل جوتييه، وألفونس كار، وجانان، وفاجنر، وليزت، وأدولف أدان.
ومن ظرفه وسلامة ذوقه أن ربط العصر الماضي بالحاضر، إذ نشاهد برليوز وهو على سرير الموت محاطا بسان صانس وربير، وقد مات الأول منذ بضع سنين والثاني سنة 1909 وكان عضوا في المجمع العلمي الموسيقي مع سان صانس.
ومما زاد في طلاوة الرواية أن أوركستر بادولو الشهير وقع بين فصول الرواية نخبة عظيمة من مؤلفات برليوز حتى تحمس الجمهور من السرور والإعجاب، وكانت الحفلة غاية في البهجة والرواء.
الفصل الأول
نشاهد حينما يرفع الستار في الفصل الأول غرفة برليوز سنة 1827 بالمنزل رقم 96 بشارع ريشليو، وكانت حقيرة بها بعض أثاث قديم وسرير وبيانو ومائدة مكدسة بأوراق الموسيقى وبجانبها مصباح، وفي ركن آخر «كومود» وعليه قيثارة، ويشاهد أمام المدفأ كانون وبعض آنية للطبخ، وكل ما في الغرفة غير مرتب ولا منظم كعادة أغلب الطلاب، وكان الوقت بعد الظهيرة، وقبل فتح الستار تعزف الموسيقى جزءا من القطعة الكنائسية المسماة «سان روك».
Unknown page