إننا نريد شاعرا يصدقه الناس ويوقنون أنه لا يقول للمال ولكن للزعامة القومية، والحمية العربية، والغيرة على الإسلام. هكذا سيقول ملوك العرب يا ابن يوسف ولهم الحق فيما يقولون، وليس الأمور كما تظن من أن هجائي كافورا سيخيفهم، بل إنه سيجرئهم علي ويزهدهم في وفي شعري؛ لأنني أصبحت شاعرا ليس لقوله وزن، ولا لحكمه تقدير، شاعرا لا يمدح للحق ولا يهجو للحق، وإنما يمدح ليسخر من ممدوحيه؛ ويهجو لأنه يئس منهم؛ أو لأنه امتص كل ما لديهم وراح يبحث في الأفق عن صيد جديد أسمن منهم وأدسم. خبرني بالله يا ابن يوسف، بأي وجه ألقى الآن سيف الدولة بن حمدان، بعد أن خاصمته وناوأته ونافرته؟ إنني رجل أحمق يا ابن يوسف، إذا تملكتني حمى الغضب قذفت الكلام يمينا وشمالا، وبدرت مني بوادر يحتبسها الحازم الحذر فلا يتحرك بها فوه، إنهم يسمونني الشاعر الحكيم، ولكن يظهر أنني أنثر حكمتي على الناس وأنسى نفسي، وأنني كبائع الجوهر يحلي صدور الحسان وهو متسلب عاطل، وإلا فما الذي كان دعاني بعد أن بعدت عن سيف الدولة وانقطع ما بيني وبينه، أن أعرض به عند مديحي للأسود، فأقول:
قواصد كافور توارك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه
وخلت بياضا خلفها ومآقيا - هذا صحيح، فقد جعلت كافورا بحرا، وجعلت سيف الدولة ساقية، وجعلت الزنجي إنسان عين الزمان، وجعلت سيف الدولة بياض العين الذي لا غناء له ولا خطر. - ثم ما هذا العرق اللئيم الذي دفعني عند مدح كافور إلى أن أقول:
قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم
إلى غيوث يديه والشآبيب
إلى الذي تهب الدولات راحته
ولا يمن على آثار موهوب - أتظن أن سيف الدولة يدرك هذا التعريض البعيد؟ - إن ذهنه في فهم مرامي الشعر ومواقعه أرهف من سيفه. على أن طيشي وهذري لم يحوجاه إلى كد الفهم وإعمال النظر، فقد أرسلت هجاءه وهجاء قومه صريحا في «نونيتي» الملعونة التي أقول فيها:
رأيتكم لا يصون العرض جاركم
Unknown page