88

Khatarat Nafs

خطرات نفس

Genres

الناس جميعا يعلمون أمر الدعوات في كل يوم من أيام العام؛ لكنهم قد توافقوا أن يرسلوها في العيد حارة صادقة، كأن الله قد خصص ذلك اليوم لدعوات عباده ليتقبل منها ما يتقبل، وكأن الناس ينتظرون في هذا اليوم أكثر منه في كل يوم رحمة الله عليهم ورأفته بهم.

ثم رأيت بعد ذلك عربة فيها صبية يصيحون ويصخبون، ويضجون، وكل دلائل السرور بادية عليهم. أوردتهم بالدماء مترعة، وأنفاسهم مسرعة، وحركاتهم كثيرة ومنوعة وضحكاتهم غزيرة، ووجوههم مشرقة مستديرة، وكل ذلك من آثار الفرح. والناس تعلم حقا في كل يوم من أيام العام، ما السرور والفرح، لكنهم توافقوا في أيام العيد على أن يستعينوا بمظاهر الفرح على خلق الفرح.

ثم رأيت بعد ذلك عائلة تتكون من أب يسير آخذا بيد طفله يجري وراءه، ووراءهما أم يتقدمها ابنتان لابستان جلبابيهما الحمراوين الجديدين، وفي أيديهما بعض ما يبيع المرتزقة من حلوى ولعب. وما كان أشد هذا المنظر وقعا في نفسي، إذ بدت لي عين الأم الرءوم لا ترى في هذه الطرقات الهائجة المائجة إلا غبطة أبنائها في ثيابهم الجديدة فرحين مستبشرين. آه لو علم الذين يخلعون كل يوم ثيابهم الغالية ليستبدلوها بغيرها من الثياب الجديدة الغالية قيمة الثوب الجديد عند من يجددونه لأبنائهم مرة في كل عام!!

ثم رأيت كذلك عربة يركبها شباب من المستهترين يرقصون، ويطربون، ويشربون، ويتمايلون ويترنحون، وفي القول يبتذلون، والناس حقا يعلمون في كل يوم من أيام العام رذيلة الاستهتار؛ لكنهم توافقوا إكراما للعيد أن يتسامحوا في بعض مظاهر الاستهتار. •••

أيام العيد إذن تتجلى في عالم النفس في نزعات مشتركة، وتوافق بين الناس على أن يبتهلوا ويفرحوا ويوسعوا على أنفسهم ويتسامحوا.

والناس يهيئون أعيادهم لأنفسهم بأنفسهم دون أن تتغير الأرض والسماء بما يعملون، ففي الكون تظل مواطن اللذة، وفيه تظل مواطن الألم. وأنك حيث ترى في يوم العيد الموسر يتبختر في جديد كسائه مطمئنا في فرحه وغبطته، قد ترى المعسر الكادح في ثيابه البالية لا يفكر إلا في عسره وشقوته!

وإنك في النهج الذي يجتمع فيه المجتمعون، ويعيد فيه المعيدون، قد تجد مكانا يفترق فيه المفترقون، ويشيع فيه المشيعون!!

إن أشد الناس استفادة من الحياة من استطاع أن يجعل جلبة آمالها وأفراحها، تستر ضجيج آلامها وأتراحها.

الإغراق في المجاملة

القاهرة في 17 من إبريل سنة 1927

Unknown page