والخمسين
وما بين جبلين من الغنم (١)، ويُمسي فيأتي السائل فيقول: «والذي بعثني بالحق ما أمسى في بيت من بيوت آل محمد صاع من شعيرٍ ولا تمرٍ» (٢) ولم يكن لعيسى ﵇ من (٣) يطالبه بشيء لا زوجة ولا ولد ولا يحتاج إلى ما كان يحتاج إلى مثله محمد ﷺ.
فإن قيل: إن عيسى ﵇ قد كان في حياطة وحرز من ربّه تعالى (٤) أن يعدوَ عليه ظالم وأن يُنال بسوء كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ...﴾ الآية [المائدة: من الآية ١١٠] وأيّده بروح القدس فكان يمسي ويُصبح آمنًا ساكن القلب ثابت الجأش لما كان الله يتولّاه، قيل: قد كان لمحمد ﷺ أبلغ من ذلك، فإن العجم والعرب انتصبت لمعاداته والجن والإنس استعدّوا لمناصبته فأيده الله بروح منه ونصره عليهم وأنزل عليه: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: من الآية ٦٧] وأنزل عليه المعوّذات والقرآن الذي كان يقرأه فيجعل الله بينه وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا، وقصدوه بالأذى (٥) عودًا على بدْءٍ ويردّ الله كيدهم في نحورهم ويحفظه من شرورهم كما أشرنا إليه من قصة أبي جهل وما أراده سُراقة في سفر
الهجرة وأشباه ذلك كثير (٦)، والشياطين تدلّت عليه من رؤوس الجبال بالشعل من النار
(١) أخرج مسلم (٤/ ١٨٠٦)، في كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا فقال لا وكثرة عطائه، ح ٢٣١٢، من طريق من أنس ﵁، قال: "ما سئل رسول الله ﷺ على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً من لا يخشى الفاقة".
(٢) أخرجه الترمذي (٣/ ٥١١)، في أبواب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، ح ١٢١٥، من طريق أنس ﵁، بلفظ: " ولقد سمعته ذات يوم، يقول: «ما أمسى في آل محمد ﷺ صاع تمر، ولا صاع حبٍّ»، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(٣) في ب "أن"، وهو خطأ.
(٤) في ب تكرار "تعالى"، وهو خطأ ظاهر.
(٥) في ب "في الأذى".
(٦) في ب "كثيرة" بزيادة التاء المربوطة، وهو خطأ.