Kharitat Macrifa
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
وهو باهر الآن تماما كما كان باهرا، بالتأكيد، في القرن الثاني عشر. صنع الفنانون البيزنطيون المجموعة الرائعة من لوحات الفسيفساء على الحوائط، وصمم الحرفيون العرب نقوشا معقدة مطعمة في الأرضيات المصنوعة من الرخام، بينما شيد السقف بالاستعانة بمئات من الألواح الخشبية، التي شكلت سقفا معقدا ثلاثي الأبعاد، ومغطى برسومات منمنمة من الحياة اليومية في البلاط.
أحدث روجر تحولا في باليرمو، منشئا عاصمة تليق بملك؛ وهكذا صار بالضبط، في عام 1130. كان قد ورث لقب كونت صقلية من أبيه، ولكنه رفع إلى دوقية أبوليا وكالابريا عندما مات ابن عمه ويليام دون أن ينجب، وهو الأمر غير المعتاد على آل دي هوتفيل. سارع روجر إلى مواجهة الموقف، مستعينا بقواته العسكرية والبحرية الكبيرة للقضاء على أي معارضة من البابا والنبلاء المحليين العديدين. في عام 1130، وحد جنوب إيطاليا مع صقلية، مطالبا بلقب ملك بوصفه جزءا من التسوية السلمية التي تفاوض بشأنها مع الفاتيكان. وتوج في كاتدرائية باليرمو في يوم عيد ميلاد السيد المسيح، وفيما بعد كتب راهب كان حاضرا المراسم يقول: «عندما اقتيد الدوق إلى كنيسة رئيس الأساقفة بطريقة ملكية ومسح هناك جسده من رأسه إلى أخمص قدميه بزيت مقدس وحاز على المقام الملكي، لا يستطيع المرء أن يدون بل ولا حتى أن يتخيل بالفعل كم كان عظيما، كم كان ملكيا في مقامه الرفيع، كم كان بهيا في حلته المزينة بسخاء. إذ بدا للناظرين أن كل ثراء ومجد هذا العالم كان حاضرا.»
10
تشع الحاجة إلى إضفاء شرعية على وضع روجر من هذه الرواية، وليس ذلك مستغربا؛ فخلال قرنين فحسب، كان آل دي هوتفيل قد تمكنوا من الارتقاء بأنفسهم من كونهم مغيرين وثنيين إلى ملوك ممسوحين، وهو إنجاز مذهل للغاية من ناحية ضخامته وجرأته. والآن، كل ما كان عليهم فعله هو أن يتمسكوا بسلطانهم. ونجحوا في ذلك، ولكن ليس لوقت طويل؛ فبنهاية القرن، كان اسم دي هوتفيل قد اندثر وانتقل تاج صقلية إلى آل هوهنشتاوفن.
شكل 7-2: الواجهة المهيبة لقصر النورمان في باليرمو.
جلس روجر الثاني ملكا على عرش صقلية أربعا وعشرين سنة، حتى وفاته سنة 1154. إبان تلك الفترة، كان يرحب بالعلماء في بلاطه في باليرمو وقاد الصفوة في رعاية البحث العلمي وتشجيعه. يتمثل أوج إرثه الفكري في أطروحة جغرافية كلف بها واحدا من أقرب مستشاريه، الباحث العربي أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الشريف الإدريسي، الذي كان قد وصل إلى باليرمو سنة 1138. كان العنوان الأصلي المنمق للأطروحة، المكتوبة باللغة العربية، هو «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، والذي اختصر فيما بعد إلى العنوان الأقل رومانسية «كتاب روجر». كان هذا الكتاب، الذي هو عبارة عن وصف مفصل للعالم بتفصيل غير مسبوق، يشمل الأنهار والجبال والمناخ والشعوب والنشاط التجاري والمسافات بين الأماكن، هو «أول محاولة جادة لإدماج ثلاثة تقاليد متوسطية كلاسيكية هي البحث العلمي اليوناني واللاتيني والعربي في خلاصة وافية واحدة للعالم المعروف.»
11
في هذا الكتاب، أخذ الإدريسي معارف جغرافية من الشرق وكذلك الغرب، وعززها بنظام بطليموس الكوزموغرافي للأقاليم السبعة، أو المناطق السبع. في التمهيد، يبين الإدريسي أن روجر كلفه بالعمل ليس فقط لأنه كان مهتما باكتساب المعرفة بالعالم، ولكن أيضا لأسباب عملية: «أراد أن يعرف أراضيه على نحو واسع النطاق ودقيق.»
12
كان روجر، البراجماتي دوما، يجمع المعلومات التي من شأنها أن تساعده في الحكم على نحو أكثر فاعلية، ولكنه مات قبل أن يكتمل العمل. ومع ذلك، تمكن وريثه، ويليام الأول، من الاستفادة من كتاب الإدريسي، الذي كان موضحا بسبعين خريطة إقليمية وخريطة بلانسفير مذهلة - خريطة للعالم - مصنوعة من فضة خالصة. في مقدمة ترجمته لمحاورة أفلاطون «خلود النفس»، يزعم هنريكوس أريستبوس أن ويليام كان ملكا لا مثيل له «فبلاطه مدرسة، وحاشيته رياضيون، وكلماته تصريحات فلسفية، وأسئلته لا إجابة لها، وحلوله لا تدع مجالا للنقاش، ودراسته لا تترك شيئا بلا تجريب.»
Unknown page