Haridat al-qasr wa garidat al-ʿasr

ʿImad al-Din al-katib al-Isfahani d. 597 AH
92
ولمّا رأيتكِ صَرّاعةً ... ترين الخِداعَ مقالًا جميلا تسلّيتُ عنكِ بمن لا أُريِدُ ... فدَبَّ السُّلُوُّ قليلًا قليلا وله، قرأته من مجموع: يوم لنا ب النِّيل مختصَرُ ... ولكلّ يومِ لذاذةٍ قِصَرُ والسُفنُ تجري في الفُرات بنا ... والماءُ منخفِضٌ ومنحدرُ وكأنّما أمواجُه عُكَنٌ ... وكأنَّما أَسراره سُرّرُ قرأت في الذيل ل ابن الهمذاني: أنه توفي بهاء الدولة، منصور ثاني عشر ربيع الأول سنة تسع وسبعين وأرع مئة، وكانت إمارته بعد أبيه صدقة خمس سنين. وله في صاحبٍ، يكنى أبا مالك: فإن كان أودى خِدنُنا ونديمنا ... أبو مالك، فالنّائباتُ تنوبُ فكلُّ ابنِ أُنثى لا مَحالةَ ميّتٌ ... وفي كل حيّ للمَنُون نصيبُ ولو رَدَّ حزنٌ أو بكاءٌ لهالك ... بكَيناه ما هبّت صَبًا وجَنُوبُ سيف الدولة أبو الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي ملك العرب، من الطبقة الثانية. كان جليل القدر، جميل الذكر، جزيل الوفر للوفد، مجدًا في حراسة قانون المجد. له دار الضيافة التي ينفق عليها الأموال الألوف، ويردها ويصدر عنها الضيوف. المعروف، بإسداء المعروف، وإغاثة الملهوف. من دخل بلده أمن مما كان يخافه، ودرت - لرجائه بجوده - أخلافه. ولقد كان بلد الحلة في أيامه حصنًا حصينًا، وحمىً من الحوادث مصونًا، وحوزته لأنواع الخير حائزة، وأصحابه بطوالع السعد فائزة. محط رحل الأمل، ومخط الخطي والأسل، وغاب الليوث، وسحائب الغيوث، وسماء النجوم، ومنزل الحجاج القروم، وفلك الملك، وملك النسك، وسلك اللؤلؤ المنضود، ومسلك الآلاء والسعود، ومبرك البركات، ومناخ الخيرات. وصدقة أكرم به بحرًا نازلًا على الفرات، مبرأ الساحة من الآفات وكان يلتجئ إليه الجاني العظيم الشان، على الخليفة والسلطان، فلا تطرقه طوارق الحدثان، ويقيم عمره في ظله تحت رفده آمن السرب، مشتغلًا بلذاته عن الأكل والشرب، واللهو واللعب. وكان شديد المحافظة على من يستجيره، كثير الحراسة لمن يجيره. ولم يزل معروفًا بالوفاء يشيد أساسه، حتى بذل في الحفاظ والوفاء راسه. استجاره سرخاب الديلمي الساوي فأجاره، فأشعل الشر ناره، وفرق في الآفاق شراره. وطلبه السلطان محمد، بن ملك شاه مرارًا فما أجابه، ورام من السلطان العفو عنه فما أصابه. وما زال يلح والسلطان يلح، إلى أن تبدل الحرب عن الصلح، وعبر السلطان إليه محاربًا. ولما التقى الصفان، لقي صدقة في القتلى لقىً جانبًا، وأقطعت حينئذٍ بلاد الحلة، وأبدلت العزة بالذلة، وذلك في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة فيما أظن. ثم استقام بعد حينٍ أمر دبيس ولده، فعاد وافر الحرمة إلى بلده. قال السمعاني: قرأت في كتاب سر السرور: لما خلع سرخاب ربقة طاعة السلطان، والتجأ إلى صدقة، وأجاره، كتب إلى السلطان يستعطفه على لسانه: هَبْنِي كما زعَم الواشونَ، ولا زَعَمُوا، ... أذنبتُ، حاشايَ، مُذْ زلَّتْ بِيَ القدمُ وهَبْك ضاق عليك العفو عن جُرُم ... لم أَجْنِهِ، أيَيقُ العفو والكرمُ؟ ما أنصفتْنِيَ في حكم الهوى أُذُنٌ ... تُصغي لواشٍ، وفي عذري. . بها صَمَمُ وقرأت في مجموعٍ هذين البيتين منسوبين إلى أبي سعد بن المطلب، والصحيح أنه كتبه صدقة. ومن لطيف محاضرته أنه استقبلته بغتةً هرةٌ، وثبت إلى أعطافه، وخدشت عرنينه، فقال أظنه متمثلًا: أما إنَّه لو كان غيرك أرقلت ... إليه القَنا بالرّاعفات اللَهاذِمِ وكان صدقة صديق الصادق، ولا تنفق عنده بضاعة المنافق، حسن الخلائق للخلائق. يهتز للشعراء اهتزاز الاعتزاز، ويخص الشاعر المجيد من جوده بالاختصاص والامتياز، ويؤمنه مدة عمره من طارق الإعواز. يقبل على الشعراء، ويمدهم بحسن الإصغاء، وجزيل العطاء. لا يخيب قصد قاصده من ذوي القصائد، ويبلغ آمليه أغراضهم والمقاصد. ولكل ذي فضيلة على طبقته في دستوره اسم، بأن يطلق له من خزانته رسم.

1 / 92