Haridat al-qasr wa garidat al-ʿasr
خريدة القصر و جريدة العصر
كنت، أيها الحبر البحر، والوالد البر، حين اقتدحت سقط زندي لشائم بروقه، وافتتحت سفط زبدي لشام سحيقه، استحسنته مذهبًا، واستخشنته مركبًا، وسألتني إتحافك برويته، وإسعافك بروايته، فانصببت في قالب غرضك، وأصبت قلب غرضك.
ومن أخرى، جوابًا عن كتاب: وصل كتاب فلان، أطال الله فروع دوحة مآثره، وأطاب ينبوع فسحة سرائره، ووارى نار نفسه، وأورى نور قدسه، وأحيا قلبه بورد الذكر، وحيا لبه بورد الفكر؛ وقرأت فصوله، وفهمت محصوله، من أبكار معانٍ زفت إلى غير كفو، وبرود وشيٍ أفيضت على جسد نضو.
ولقد أذاقني بحلو خطابه، مر عتابه، وقد انشرح صدري، لشرح عذري، فتلقه مجملًا، تكن بقبوله مجملًا.
إني مذ صرف بوجهي نحو الحقيقة، وقصد بي قصد الطريقة، فحدقت لقراءة سورةٍ تشهدها، وحققت استقراء صورةٍ تحمدها، ونار المجاهدة بعد في تصفي سبائك خلاصي، حتى أرى مسالك خلاصي بإخلاصي. ولقد كابدت من أول قرين، عدة سنين، ما بيض سود ذوائبي، وغيض مورد ذنائبي، حتى أذن في طلاقه، فأذن بانطلاقه. هي بخط من يضن بخطه، ويظن به صحة ضبطه.
ومن أخرى إلى زاهد: كتابي إلى فلان، مد الله في مدد عمره، وأمده بمدد نصره، وأيد عزمه، وسدد سهمه، ورزقه عن الدنيا سلوةً، وبالمولى خلوةً، وصفى من شبه الشبه خلاص اعتقاده، وأضفى على شخص مجاهدته دلاص استعداده، ب محمد خلاصة الوجود، وخالصة المعبود.
فلانٌ قصدني مسلمًا، ولما استودع من التحية مسلمًا، وعرفني كونه بالقلعة متزهدًا، وللقلعة متزودًا، وبمطلب الاعتزال قائلًا، ولمذهب الاعتزال قاليًا. كنت ذكرت له تجردي للحق، وتفردي عن الخلق، حتى أدركت من علمه ما في طاقة البشر، وأطمعني الشوق في الذوق والنظر، متى ارتفع عن النظراء والأشباه، واقتنع بالنضار لا الأشباه، زهد في الأعراض الذاهبة، ورغب في الأغراض الواجبة.
فاعتزل - يا أخي - كل مشغلة، فعزلة المرء عزٌّ له، والخلطة مذلة، والمخلط مدله، والشواغل عن المقصود، للشوى غلٌّ وقيود. ولا يرد ذلك الحمى، إلا من احتمى، وماتت دواعى نزاعه، وعوادى طباعه، وطمع في جوار سلطانه، وطعم من ثمار جنانه.
وإن أردت البقا، فعليك بالتقى، فسر مع اسكندر الدين، واسكن دار الطين.
رأيت الثقيل - لكثافته - يهرب هويًا، والخفيف - للطافته - يطلب رقيًا. وليس من استبقى أطمار الحرمة، واستسقى أمطار الرحمة، وخنست شياطين جوارحه، الكائدة استسلامًا، وحبست سلاطين جوارحه، الصائدة أثامًا - كم كرع في حياض المنى صاديًا، ورتع في رياض الهوى متماديًا، واستبهمت جواد مذهبه، وانحسمت مواد مواهبه. فليس الوصول بهلك الأولاد، بل بفك الأقياد، ولا بترك ثراء الأموال، بل بسفك الآمال، ولا بإتلاف المرء جسده، بل ب تلافيه، فليس من أخرب مسجده، كمن تلافيه.
فكم من يأسو الكليم، بقصة موسى الكليم، ويبرئ الهيم، بحديث إبراهيم. فإن موسى سار بأهله، وسر بفعله: غدا بنفسه مستقلًا، وراح لشخصه مستقلًا. ولما جمع رطب الطرب، رجع إلى النسب والنشب. هاجرهم لشانه، وما جاهرهم بلسانه، وقصد العود، ووعد العود، وجنى رطب الشجر، وجنى طلب النظر، واعترف بضعفه عن كنه الأمر، واغترف بكفه من وجه البحر، ولم يودع في وطاب، من ماء شرعه إلا وطاب.
وإبراهيم ﵇، أمر بذبح ولده في المنام. فلما حقق عزمه، وفوق سهمه، قيل له: غير مرامك، وعبر منامك. فهذا البلاء، وإلا فذا لذا فداء. وأنزل كبشًا، ملئ كبسًا، فجمع الهم، وفرق اللحم.
كم لهذا المعنى من أمثال، وعلى طريقه من أميال. والحق لا يشتبه، فانتبه أنت به، واشتر قطع الجواهر الرابحة سومًا، بقطع الهواجر اللافحة صومًا، واجعل قيام قلائل الليالي، قيم قلائد اللآلي.
فمن فعل ذلك، وسلك هذه المسالك، فقد رأب شعبه، ورب شعبه، وشفع في القيامة لمن شفع وتره، ورفع بالكرامة من رفع وتره.
إن العمر ذاهب نافق، وذهب نافق، وغنيمة تغل وتستغل، وغنيمة تستقل وتستحل. فخذ لنفسك منه أودع، واحفظ الوديعة لمن أودع.
ومن أخرى إلى صديق ب واسط: وصل
كتابٌ راقَ ألفاظًا ومعنىً ... وساقَ إليَّ إِحسانًا وحُسْنا
فكان عرائسَ الأفكار تُجْلَى ... وكان غرائسَ الأفكار تُجْنَى
1 / 78