249
ولك الذي قد سرَّ من أَفراحها ... وله الذي قد ساء من أَحزانها
فاسعدْ بها يا أَيُّها الملكُ الذي ... دانتْ لديْه على جلالة شانها
واستجْلِ من مِدَحي الحسانِ خريدةً ... حَسّانُ مفتقرٌ إِلى حُسّانها
وافَتْكَ ترفُل في ثياب بهائها ... وإِبائها وحيائها وصِيانها
كالكاعب العذراء حين تبخترتْ ... في دُرّها المنظوم أَو مَرْجانها
وأَتَتْكَ تنشرُ ما طواه حَسُودها ... من فضلها وسَدادها وبيانها
في دارِ عدلٍ مُذْ طلعتَ بأُفْقِها ... بدرًا جَلوْتَ الظُّلْم عن سُكّانها
فبقيتَ مُعْتَصِبًا بتاج بهائها ... في دَسْتِ مجلسها وفي إِيوانها
ما أَصبحت أَيدي الرعيّة تجتني ... عَفْوًا ثِمار الأَمْن من بستانها
وقام إليه اليوم الذي يليه، وقد جلس السلطان في دار العدل، وقد احتفل الحفل، بحضور أهل الفضل، فأنشده:
لا يُقْعِدَنّك ما حَلُّوا وما عَقَدوا ... هُمُ الذئاب وأَنت الضَّيْغَمُ الأَسدُ
كم يخطِفون بروقًا ما بها مَطكَرٌ ... ويقصِفون رُعودًا ما بها بَرَدُ
والقوم قد قعدوا عمّا نهضتَ به ... من السِّداد، فلا قاموا ولا قعدوا
فلا ثيابُ المعالي فوقَهُم جُدُدُ ... ولا طريق الأَماني نحوهم جَدَد
إِيّاك تغفُل عنهم مثل ما فعَلوا ... إِيّاك ترقُد عنهم مثل ما رَقدوا
ماذا الكرى يا صلاح الدين عن أَرِقٍ ... من قبل سيفك قد أَودى به السَّهَد
ولْهان تَزْفِر نارٌ في جوانحه ... يَشُبُّها القاتلان: الخوفُ والحَسَدُ
لا يستطيع اهتداءً فهو مرتبكٌ ... حيران، فيه وفي آرائه أَوَد
مخيَّبُ السَّعْي لا يعتاده ظَفَرٌ ... مُضَلَّلُ الرأي لا يقْتاده رَشَد
فكيف يَرْقَع خَرْقًا وهو مُتَّسِعٌ ... أَم كيف يُصْلِح أَمرًا وهو مُنْفَسِد
لمّا رآك وقد أَقبلت تَقْدُمُها ... أُسدًا عرائنها الإِقدام والعدد
أَلقى السلاح وما فُلّتْ ظُبى قُضُبٌ ... تَفْري الرؤوس، ولا دُقَّت قَنًا مُلُد
وراح مِنْ بعد ذاك الجمع مُنفردًا ... وَمَنْ نَحاك بِجَمْعٍ سوف ينفرد
يَطوي الحُزونَ فيَطويه ويَنْشُرُه ... حُزْنٌ له منه وَجْدٌ فوق ما يَجِدُ
وفي شَباه الذي أَغْمدتَهُ فَلَلٌ ... وفي حشاه الذي أَقلقته كَمَدُ
وحوله عُزَّلٌ لو أَنهم قصدوا ... أَضحى القنا وهو في لَبّاتِهم قَصَد
خانوا فخانوا، وما حازوا الذي طلبوا ... خابوا فآبوا وما نالوا الذي قَصَدوا
لمَّا دَعَوْك أَجبت القوم في لِجَبٍ ... السيفُ ناصره والواحدُ الصَّمَد
حتى إِذا ما رأَوْا في الدِّرع منك فتىً ... كأَنه من ثباتٍ في الوغى أُحُد
صَدُّوا وما عَطَفُوا، أَلوَوْا وما وقفوا ... ولَّوْا وما رجَعوا، ذلّوا وما أَسِدوا
فرّقتهم فِرقًا، فاستسلموا فَرَقًا ... بِظاهر القَرْن، والأَقرانُ تطّرِد
صدَعْتَ ما شعبوا، قطعتَ ما وصلوا ... فَلَلْتَ ما شَحَذوا، حللتَ ما عقدوا
حقَنْتَ منهم دِماءً لو تُراقُ جَرَتْ ... منها مُدودٌ لها من هامِهم مَدَد
عَفَفْت من قتلهم يومَ الوغى فنجَوْا ... ولو ترى القتلَ رأيًا ما نجا أَحد
فهم عبيدُك إِن لانوا وإن خَشُنوا ... وإِن أَقرّوا بما أَوليتَ أَو جَحَدوا
وهم أَساءوا فأَحسنتَ الغَداةَ بهم ... صُنْعًا يُحَدِّث عنه الفارس النَّجِدُ

2 / 316